هذا زمن الوعي لا زمن المناصب
الكاتب: اياد أبو روك
نحن نمر اليوم بمرحلة صعبة جدا كفلسطينيين مرحلة فيها الكثير من الالم والتشتت ومع ذلك ما زال الايمان بالعدالة وبالوطن هو الشيء الوحيد الذي يجعلنا نقف على اقدامنا الوطن لا يطلب منا شيئا كبيرا فقط يريد ان نكون مخلصين له وان نفهم ان فلسطين تحتاج ابناءها بدون مقابل تماما كما كان يحدث في ايام النضال الاولى عندما كان كل شيء نابعا من القلب ومن المسؤولية وليس من المصالح
لكن الواقع اليوم مؤلم جزء من الناس اصبح محطم بسبب الحرب والضغوط والانهيار وجزء اخر استغل موقعه او منصبه لمصلحة شخصية وكأن الوطن اصبح طريقا للوصول لا طريقا للتحرير وهذا اكثر شيء يوجعنا لان هذا ليس ما نحن وليس ما تعلمناه
وما يزيد خطورة الوضع ان الاحتلال نفسه يعتمد منذ سنوات طويلة على استراتيجية واضحة ان يضرب وحدتنا من الداخل عندما فشل في كسر ارادتنا بالقوة بدأ يبحث عن طرق اخرى طرق تقوم على خلق الخلافات بيننا وتشتيت الناس حتى يضعف المجتمع نفسه بنفسه
وهذه المؤامرات ليست جديدة الاحتلال استخدم اساليب كثيرة منذ زمن طويل ليضرب النسيج الفلسطيني منذ فترة الانتداب البريطاني كانت هناك سياسة فرق تسد حيث كان يتم دعم بعض الشخصيات ضد اخرى واثارة الخلافات بين
العائلات وفصل المدن عن القرى ثم جاء دور زرع العملاء بين الناس ليس فقط لجمع المعلومات بل لاحداث حالة من الشك داخل المجتمع يكفي ان يشك الناس في بعضهم حتى تبدأ الثقة تضعف وتظهر المشاكل
كما قام الاحتلال باغتيال الكثير من القيادات الوطنية التي كانت وحدها قادرة على جمع الناس وهذا خلق فراغا كان مقصودا وفي نفس الوقت دعم الاحتلال شخصيات هامشية لتظهر كبديل فقط حتى يحدث انقسام بين القاعدة الشعبية والقيادة
وترافق هذا مع الضغط الاقتصادي والحصار وسلب الحقوق بهدف واحد ان ينشغل الفلسطيني بمشاكله اليومية لدرجة انه لا يفكر في مشروعه الوطني وهذه الطريقة جعلت المجتمع في حالة اجهاد دائم وسهلت على الاحتلال ان يمرر الكثير من سياساته
ومع الوقت ومع تطور التكنولوجيا اصبحت هذه المؤامرات اكثر خبثا اليوم الاحتلال يستخدم الاعلام والحروب النفسية ووسائل التواصل الاجتماعي لينشر الشائعات وليضخم المشاكل الصغيرة وليشوه الرموز الوطنية وليصنع حالة من الفوضى في الوعي الفلسطيني في احيان كثيرة نرى خلافا بسيطا يتحول فجأة الى مشكلة كبيرة لان هناك من يغذيه من بعيد
وهذا النوع من الحرب اخطر من الحرب العسكرية الصواريخ تدمر البيوت لكن الحرب النفسية تدمر الناس من الداخل تجعل الفلسطيني يشك باخيه وتجعله يبتعد عن ابناء شعبه وتحوله الى فرد معزول يشعر انه وحده في هذا العالم
لذلك يجب ان نكون اذكى ويجب ان نفهم ان الاحتلال يلعب على هذه النقطة بالذات يجب ان نرجع لذاكرتنا ونرى كيف كنا نقف معا بدون اي مصلحة الانتفاضة الاولى مثال واضح على ذلك لم يكن هناك مال ولا مناصب كان هناك فقط قناعة مشتركة بان الناس يجب ان تتحد كذلك رأينا في القدس كيف ان التوحد الشعبي كان اقوى من اي قرار سياسي
نحن اليوم بحاجة ان نستعيد هذا الوعي بحاجة ان نقف مع غزة ومع الضفة ومع القدس ومع اهلنا في كل مكان بحاجة ان نترك الخلافات الصغيرة وان نتوقف عن مهاجمة بعضنا وان نفهم ان الاحتلال يحاول جرنا الى صراع داخل البيت الفلسطيني
الوطن لا يبنى بالكلام ولا بالمزايدات ولا بالمنافسة على المناصب بل يبنى بالقيم وبالمسؤولية وبالوقوف مع بعضنا في اصعب اللحظات الاحتلال يعرف ان انتصاره الحقيقي ليس في قوة جيشه بل في قدرتنا على الاختلاف والانقسام وهذا هو السلاح الذي يجب ان نسحبه منه فورا
نحن في مرحلة لا تحتمل اي تردد ولا تحتمل المسافات البعيدة بين الناس يجب ان نكون قريبين من بعض وان نعيد ترتيب البيت الفلسطيني بطريقة صحيحة الوعي الجماعي هو اخر ما تبقى لدينا واذا خسرناه سنخسر كل شيء
نحن شعب واحد وعدونا واحد وجرحنا واحد واذا تماسكنا سيخسر الاحتلال اهم ورقة كان يعتمد عليها طوال سنوات تفريقنا من الداخل

