الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:00 AM
الظهر 11:31 AM
العصر 2:17 PM
المغرب 4:41 PM
العشاء 6:01 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

بلاد المهجر ليس ملاذا... إنه أكبر اختبار للذاكرة.. والوفاء.. والتحدي

الكاتب: اياد أبو روك

اليوم لا نملك نحن الفلسطينيين في المهجر ترف الانتظار ولا رفاهية الحياد. نحن أمام معركة أخلاقية إنسانية حضارية تفرض علينا أن نحفر في الصخر أن نصنع من الألم منبرا ومن الوجع مشروعا ومن المنافي جسورا. لقد بات لزاما علينا أن نستخدم كل وسيلة متاحة. الإعلام الفن التعليم الفضاءات الرقمية لفرض وجود قضيتنا على أجندات هذا العالم.

يجب أن نخاطب العالم بلغته وفهمه وأن نرفع صوتنا في الجامعات في المهرجانات في المعارض وفي كل منبر ممكن. لم يعد كافيا أن نحمل الحنين في قلوبنا بل ينبغي أن نحوله إلى عمل مؤسسي وأن نصوغ روايتنا بعقلانية وإبداع.

لنا في التاريخ دروس بليغة. الصهيونية بعد المحرقة لم تكتف بإعلان مظلوميتها بل أسست لرواية دولية قوية. أنشأت مراكز دراسات كبرى في أوروبا وأمريكا مولت مؤسسات إعلامية وفكرية وأنتجت مئات الأفلام والكتب واستثمرت في الضمير الغربي حتى بات أي انتقاد لها يصنف تلقائيا كمعاداة للسامية.

ما جرى في الهولوكوست وما تلاها من استثمار سياسي وإعلامي تحول إلى أداة لترسيخ مشروع استيطاني دموي. أما نحن فلم نؤسس بعد أي مركز فلسطيني عالمي يتبنى روايتنا ويوثق نكبتنا كما يجب ان تكون..

لا توجد حتى اليوم مؤسسة بحثية ضخمة أو إعلام عالمي يتبنى خطابنا. ولهذا فالمسؤولية باتت على عاتقنا كأفراد لا فقط كحكومات أو منظمات. يجب أن نحمل هذا العبء كرسالة وجود لا كمجرد تكليف سياسي أو وطني. علينا أن نؤمن بأن النضال السلمي عبر الفكر والكلمة والصورة هو أحد أقوى أدوات المقاومة في زمن الحرب على الوعي. هذا النضال لا يحتاج إلى جيوش بل إلى إيمان وإبداع واستمرارية.

رغم شراسة العدوان وصمت العالم الموجع نملك ما هو أقوى من كل الأسلحة: نملك الحقيقة والحق والقدرة على تحويل هذا الظلم إلى عدالة مستقبلية. لن نيأس لن نصمت ولن ننهزم. سنبقى على المسافة نفسها من فلسطين سواء كنا في غزة أو في حيفا أو في برلين أو في أوسلو. سنحمل فلسطين في قلوبنا ونروي حكايتها لأنها ببساطة لم تنته... ولن تنتهي وسنبقي الحكاية الأبدية والرواية الصادقة الموثقة بالصوت والصورة والتي تشمل كل الجرائم الصهيونية! .

نحن الفلسطينيين في الشتات لا نعيش حياة طبيعية كما يتخيل البعض. نرتدي ثياب العمل نحضر الاجتماعات نبتسم في الشوارع لكننا نحمل في صدورنا حربا لا تهدأ. صور الأنقاض صرخات الأمهات أجساد الأطفال تحت الركام تلاحقنا في كل لحظة ... ولا نخفي عليكم لسنا بخير.. امام هذا الوجع.. لكننا واجب علينا الثبات والاتزان والتحدي..

ليس من المقبول ونحن نعيش في قلب العواصم الغربية أن يظل خطابنا محصورا داخل الدوائر العربية. ليس من المعقول أن يظل صوتنا حبيس لغتنا، بينما أطفالنا يدفنون تحت الأنقاض في غزة ودماؤهم تسفك على مرأى ومسمع من عالم يزعم الإنسانية لكنه لا يتحرك إلا عندما يخاطب بلغته.

لقد آن الأوان أن نفهم مجرد الحزن لا يكفي. مشاركة الصور والمآسي بالعربية وحدها لا تغير الواقع. العالم لا يفهم وجعنا كما هو ولا يعرف تفاصيل نكبتنا ولا يدرك عمق مأساتنا. وإذا لم نتحدث إليه بلغته فسيظل حبيس روايات مشوهة تملى عليه من غرف صناعة الأكاذيب الصهيونية وترسانتها الإعلامية النازية !!.

نحن في المهجر لسنا ضحايا فقط. نحن جنود في معركة الوعي. علينا أن نحمل الكلمة والرسالة . ومن لا يستطيع أن يشارك في التظاهرات السلمية في الشوارع عليه أن يكتب أن يشرح أن يترجم أن يحدث ضجة بلغات العالم. لأن غزة والضفة اليوم ليست بحاجة إلى دموعنا فقط بل إلى أصواتنا أقلامنا حضورنا وشجاعتنا في قول الحقيقة حيثما وجدنا.

نحن نعيش في مجتمعات تحترم الكلمة وتؤمن بحرية التعبير وتتيح لنا منابر لو أحسنا استخدامها لصنعنا رأيا عاما يضغط على الحكومات ويهز ضمائر الشعوب. فلماذا نهدر هذه الفرصة؟ لماذا نستسلم للغربة كأنها عزلة؟ ولماذا نكتفي بأن نكون متلقين للمأساة بدل أن نكون فاعلين فيها؟

إن النشر بالعربية بين بعضنا البعض مهم لكنه غير كاف. لا بد من أن نخاطب الإعلام الغربي بلغته أن نكتب في صحفه أن نشارك في برامجه أن نتكلم مع جيرانا وزملائنا أن نشرح لهم ما يجري بلغة يفهمونها لا بلغة يمرون عليها دون انتباه. نحن لا نطلب من أحد أن يكون محترفا في لغته الثانية بل أن يكون صادقا وشجاعا. لا أحد يطالب بالكمال اللغوي بل بالحد الأدنى من الجهد والتواصل. فالكلمة الصادقة تصل وإن كانت بسيطة. والموقف الحقيقي يغير وإن بدا ضعيفا في البداية... أن تكون فلسطينيا في المهجر لا يعني أن تهرب من القضية بل يعني أنك تحمل جزءا منها أينما ذهبت. أنت الامتداد الحي لنبض بلادك. أنت لسانها في المنفى وعينها على العالم. لا تترك هذه الأمانة تسقط بالصمت ولا تسمح للعدو أن يروي الحكاية وحده.. صحيح اننا في أمس الحاجة إلى مشروع وطني ثقافي عالمي. مراكز أبحاث، أفلام معارض كتب، برامج تعليمية خطاب إعلامي مدروس. نحن بحاجة إلى أن نحارب على جبهة الوعي أن ننتج محتوى يواجه الرواية الصهيونية ويعيد للعالم روايتنا الحقيقية. نحن بحاجة إلى أن نؤمن بأن السلمية ليست ضعفا بل قوة حين تحمل الحقيقة وأن قضيتنا إنسانية عادلة أخلاقية لا تقبل التشويه

نحن في بداية الطريق وهذا مؤلم ويحتاج الي تحدي استثنائي لكنه واعد. لأننا لم نمت ولم ننس ولم نهزم. لأننا ما زلنا نروي الحكاية. ولأن هذه الحكاية حكايتنا لم تنته... ولن تنتهي لطالما اننا نملك الإصرار والعزيمة ونقابل التحديات بكل قوة. فمن لم يصنع من غربته صوتا للحق صنع منها قيدا للنسيان. نحن لسنا مجرد عابرين في أوطان الآخرين بل رسل حكاية تتحدى النسيان وأمناء ذاكرة لا تموت فإما أن نكون صوتا لفلسطين أو نصبح صدى لخذلان لا يليق بنا...

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...