قمة المرأة والتكنولوجيا والمال
الكاتب: دلال صائب عريقات
في لحظة تختلط فيها الجراح الوطنية بتطلعات المستقبل، وفي زمن يتسابق فيه العالم نحو اقتصاد المعرفة والتحول الرقمي، اختارت فلسطين أن تضع المرأة في مقدّمة مشهد التغيير في تحدي بيئة عدم اليقين. ففي الثالث من ديسمبر، وتحت رعاية دولة رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، انعقدت في رام الله قمة المرأة والتكنولوجيا والمال، بتنظيم مشترك بين شبكة سيدات الأعمال والمهنيات– فلسطين BPW Palestine، ووزارة شؤون المرأة، وسلطة النقد، ووزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي وبدعم من الحكومة الألمانية عبر GIZ. وقد شكّلت هذه القمة حدثًا وطنيًا واسعًا يتجاوز حدود المؤتمرات التقليدية، لتصبح منصة للتفكير والعمل وتخطيط المستقبل، هذه القمة توكد من غزة للقدس لجنين أن المرأة لا تقبل أن تكون مجرد ضحية بل تنهض من تحت الركام، وتقدّم نموذجًا فريدًا من القيادة والصمود، فحين تدخل المرأة فضاء التكنولوجيا والمال، لا تساهم في الاقتصاد… بل تعيد تعريف مفهوم القيمة ذاته.
التركيز على التكنولوجيا والمال ليس لتجميل المشهد، فالكل الفلسطيني مستهدف، الأرض والشجر والبشر حتى اوراقنا النقدية. من حيث التشخيص جميعنا يدرك أن جذر مصائبنا هو الاحتلال، وفي هذه البيئة من عدم اليقين نرفض أن نستسلم ونرى في هذه القمة والشراكات منبرا حقيقيا لمقاومة الاحتلال بأدوات العصر نعم بالتكنولوجيا والمال بالفكر، والأهم حين تكون المرأة في القيادة.
هذه القمة لن تقلب الواقع ١٨٠ درجة بكبسة زر أو أداة رقمية، لكننا مصممون بالتعاون مع جميع الشركاء على إيجاد الحلول من الداخل. التحول الذي نسعى إليه هو تحول بنيوي أساسه الفكرة، تحول من اقتصاد قائم على الندرة, إلى اقتصاد شامل قائم على المعرفة؛ من فرص تُمنح إلى قدرات تُبنى؛ نصيغ معاً خارطة طريق وطنية قائمة على الشراكات والعمل المؤسسي، لا على الوعود والشعارات. لا يمكن بناء اقتصاد فلسطيني جامع دون النساء ودون الكفاءات منهن، فنحن نسعى للنوعية قبل الكمية. نحو اقتصاد جامع، التعامل مع الواقع يبدأ من قطاع غزة، وهنا نتطلع لتنفيذ البرنامج الحكومي لإعادة الاعمار والتعافي الذي ركز بشكل خاص على دور التحول الرقمي والشمول المالي.
قمة المرأة لم تنفصل عن المشهد الوطني الأوسع، إذ جاءت في ظل عدوان مدمّر على غزة واعتداءات متصاعدة على الضفة الغربية، ما أضفى على اللقاء بُعدًا إنسانيًا وسياسيًا واضحًا. فالنقاش حول التكنولوجيا والمال لا يمكن فصله عن واقع الاحتلال، الذي يفرض بيئة خانقة تعرقل الاقتصاد وتحاصر الإبداع. لكن، كما أكدت المداخلات، فإن التكنولوجيا ليست ترفًا في ظل هذا الواقع، بل أداة صمود ومقاومة، وطريق لتعزيز القدرة على البقاء والابتكار، خاصة للنساء اللواتي يتحملن العبء الأكبر في إدارة الحياة اليومية تحت الحصار والقيود.
قدمت القمة نموذجًا للدبلوماسية العامة التي تقودها النساء، كونهن القوة الناعمة والعلامة الترويجية الوطنية لفلسطين في القرن ٢١ من خلال جمع القياديات من القطاعات المختلفة في حوار وطني مستمر منذ انطلاق قمة المرأة الفلسطينية الأولى في 2023، مرورًا بسلسلة من الورش الحوارية حول البيئة الاقتصادية والتشريعات الرقمية والريادة النسوية، وصولًا إلى هذه القمة التي تمثل تتويجًا لعمل مؤسسي تطوعي يعكس قوة المجتمع المدني وقدرته على إحداث التغيير عند ترجمة الشراكة الحقيقية مع القطاع العام. إن قمة المرأة والتكنولوجيا والمال بداية لمسار وطني جديد يجمع بين المعرفة والقيادة النسوية والاقتصاد الرقمي في رؤية واحدة: بناء اقتصاد فلسطيني جامع وشامل، يعكس صمود وإرادة المرأة الفلسطينية.

