المهاجر المنعزل عبء على نفسه وعلى المجتمع
الكاتب: اياد ابو روك
تستقبل المجتمعات الاوروبية منذ سنوات اعدادا كبيرة من المهاجرين القادمين من مختلف دول العالم وتقدم لهم فرصا واسعة للعيش الكريم وتمنحهم الامان والمسكن والعمل والحريات الاساسية تلك الحقوق التي حرم منها كثيرون في بلدانهم الاصلية لذلك يبدو منطقيا ان يشعر المهاجر بالامتنان لهذا الفضاء الذي اتاح له بداية جديدة وحياة مختلفة جذريا عما تركه خلفه ومع ذلك يظهر في صورة المهاجر العربي والشرقي تحديدا تناقض صارخ لا يمكن تجاهله فبعضهم يبدي حبا كبيرا للبلد المضيف ويؤكد انه وجد فيه الراحة والكرامة والحقوق لكن هذا الحب يتوقف عند حدود ضيقة سرعان ما تتكسر حين يتعلق الامر بالاندماج الحقيقي في المجتمع
فجزء من المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط يتعامل مع الاندماج بوصفه تهديدا لهويته وليس باعتباره فرصة لتوسيع افقه او بناء حياة مشتركة داخل مجتمع جديد ويذهب بعضهم ابعد من ذلك حين يحاول فرض خطاب ديني متشدد يتعارض جذريا مع القيم المدنية التي تقوم عليها الدول الاوروبية فهم يرفضون المشاركة في المناسبات الثقافية او الاعياد العامة ويرون ان اي تفاعل اجتماعي مع الاوروبيين هو خطر على ايمانهم او قيمهم الشخصية وفي الوقت نفسه يتمسكون بالبقاء في هذه البلاد ويتمتعون بكل ما تقدمه من مزايا دون ان يشعروا باي مسؤولية تجاه المجتمع الذي يعيشون داخله
هذه العقلية تعد شكلا من اشكال الاستفادة الانتقائية من منظومة حقوقية متقدمة دون قبول واجباتها الاساسية فهي تستفيد من الامان والحرية والدعم الاقتصادي لكنها ترفض الاسس الاخلاقية التي يقوم عليها هذا الفضاء مثل المساواة وحرية المعتقد واحترام الاخر وتعددية المجتمع وهذا الرفض لا يقتصر على المواقف الشخصية بل يتحول احيانا الى خطاب منغلق يسعى لتشكيل تجمعات منعزلة داخل المجتمع الاوروبي مما يعزز مناخ الشك والتوتر ويقوض كل محاولات بناء جسور الثقة المتبادلة
الاشكالية الكبرى ليست في الدين بل في توظيفه لتبرير العزلة والانفصال الدين في جوهره اخلاق ورحمة ووصايا انسانية عامة تحترم البشر اينما كانوا بينما يتحول هنا الى اداة لخلق مسافة عدائية مع المجتمع المضيف ونشر تصور يقوم على ان المهاجر غير مطالب بالاندماج لان عليه فقط ان يحافظ على هويته كما هي وكان الهوية كيان ثابت غير قابل للتطور
او الاتساع وبهذا يتحول بعض المهاجرين الى نموذج مضاد تماما للقيم الاوروبية التي بنيت على التسامح والحرية ورفض اي شكل من اشكال التشدد
في المقابل تظهر نماذج عربية مشرقة استطاعت ان تقدم صورة مختلفة تماما نماذج عملت ونجحت واثبتت ان الهوية ليست سجنا بل قدرة على التحرك بين ثقافتين والانتماء الى مجتمع جديد دون فقدان الجذور هؤلاء لم يكتفوا باخذ الحقوق بل قدموا للمجتمع قيمة اضافية وشاركوا في الحياة الاقتصادية والتعليمية والثقافية وكان انتماؤهم للبلد المضيف واضحا ومسؤولا وهذه النماذج هي التي تثبت للمجتمع الاوروبي ان المهاجر يمكن ان يكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة
الاندماج ليس تنازلا عن النفس بل فعل احترام متبادل والمشكلة ليست في الاختلاف الثقافي بل في من يرفض ان يكون فردا مسؤولا داخل مجتمع مدني حديث ان البقاء في بلد ما يعني الاعتراف بقيمه وقوانينه ومبادئه وعلى من يرفض ذلك بوعي كامل ان يراجع اسباب وجوده في هذا المكان لان الموقف القائم على الرفض والتشدد لا يضر فقط بصورة المهاجرين بل يعرقل قدرة المجتمعات الاوروبية على بناء مستقبل مشترك قائم على المساواة والحرية والكرامة الانسانية
السؤال الحقيقي هو ماذا يريد هؤلاء من هذه البلاد وهل يبحثون عن وطن جديد ام مجرد مساحة للاستفادة دون التزام ان مستقبل الهجرة في اوروبا سيعتمد على قدرة المهاجر على الانخراط الفعلي في منظومة قيمية شفافة وواضحة ومن لا يرغب في ذلك سيظل عالقا بين عالمين لا ينتمي لا اليهما ولا منهما بينما العالم يتحرك الى الامام بثقة ورؤية واضحة

