الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:01 AM
الظهر 11:32 AM
العصر 2:17 PM
المغرب 4:41 PM
العشاء 6:02 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

7 مليارات شيكل على المحك: رواتب الموظفين بين مطرقة المقاصة وسندان السندات

الكاتب: الدكتور سعيد صبري

لم تعد أزمة رواتب الموظفين العموميين في فلسطين مجرد رقم في الموازنة العامة، بل تحولت إلى كرة لهب تتدحرج لتهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي برمته. فمع تراكم المستحقات إلى 7 مليارات شيكل، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ السلطة الفلسطينية، يقف الاقتصاد اليوم أمام اختبار الثقة الأخير، في ظل حلول مؤجلة وأزمة تزداد تعقيداً بكل يوم.
هذه المستحقات، التي تمثل ديناً صامتاً على الحكومة، ليست مجرد التزامات مالية مؤجلة، بل هي انعكاس مباشر لأزمة هيكلية عميقة. فمنذ أكثر من أربع سنوات، لم يتلق حوالي 146 ألف موظف عام راتباً كاملاً إلا مرة واحدة فقط، مما دفع غالبيتهم إلى حافة الهاوية، وأثقل كاهلهم بالديون، وأصاب الأسواق بحالة من الركود الحاد. والموظفون اليوم يكتفون بنسب صرف تتراوح بين 60 و70 في المائة من رواتبهم، مع حد أدنى لا يتجاوز 2000 إلى 3500 شيكل شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية في ظل الغلاء المتسارع والضغوط المعيشية المتزايدة.
المقاصة: شريان الحياة المقطوع
يكمن السبب الجذري للأزمة في استمرار إسرائيل باحتجاز أموال المقاصة، التي تشكل أكثر من ثلثي إيرادات الخزينة الفلسطينية. هذا الإجراء، الذي حرم السلطة من شريانها المالي الحيوي، خلق فجوة تمويلية هائلة بلغت 9.1 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار)، وجعل الحكومة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الأساسية. وفي آخر ثلاثة أشهر، امتنعت إسرائيل عن تحويل أي مبلغ على الإطلاق، مما أغلق الباب تماماً أمام أي حل سريع.
يضاف إلى ذلك، هيكل الموازنة المرهق الذي تلتهم فيه الرواتب والتحويلات الاجتماعية أكثر من نصف الإنفاق العام. فمن إجمالي موازنة 2024 البالغة 19.4 مليار شيكل، استهلكت الرواتب والأجور وحدها 8.469 مليار شيكل، أي ما يعادل 43.63 في المائة من الموازنة. هذا الهيكل المرهق يترك مساحة ضيقة جداً لأي مناورة مالية أو معالجة للأزمات الطارئة، ويجعل الحكومة رهينة لأي تقلب في الإيرادات.
والمشهد يزداد قتامة عندما ننظر إلى موازنة 2025، التي اعتمدها الرئيس الفلسطيني بعجز مالي يقترب من 7 مليارات شيكل (1.9 مليار دولار)، وهو عجز ضخم لا يمكن تغطيته من الإيرادات المتاحة. والحكومة تعتمد بشكل متزايد على الاقتراض الداخلي لسد النفقات التشغيلية، وهو خيار يفاقم المشكلة بدلاً من حلها، لأنه لا يؤدي إلى إنتاج نمو اقتصادي حقيقي يخفف الضغوط في المستقبل.
السندات الحكومية: حل على الورق؟
في خضم هذه الأزمة، برز الحديث عن إصدار سندات حكومية كأحد الحلول المطروحة. وبالفعل، صادق الرئيس الفلسطيني مؤخراً على قانون الدين العام الجديد (رقم 20 لسنة 2025)، الذي يمهد الطريق أمام استخدام هذه الأداة المالية. والفكرة المطروحة هي أن يحصل الموظفون على سندات بقيمة مستحقاتهم، على أن تقوم الحكومة بسدادها لاحقاً مع فوائد.
لكن هذا الحل، الذي يبدو جذاباً على الورق، يصطدم بواقع مرير. فالسندات ليست حلاً فورياً لأزمة السيولة، إذ لن يتمكن الموظف من تحويلها إلى نقد بشكل مباشر. الأمر يتطلب آلية معقدة تسمح للبنوك بشراء هذه السندات أو خصمها، وهو ما يحتاج إلى ضمانات حكومية قوية وتوفر سيولة كافية لدى البنوك، وكلاهما غير متوفر في ظل الظروف الراهنة.
من يدفع الثمن الحقيقي؟
إن تداعيات هذه الأزمة لا تطال الموظفين وحدهم، بل تمتد لتضرب الاقتصاد الفلسطيني في الصميم. فالقطاع الخاص يعاني من انكماش حاد في الطلب، والبنوك تتأثر بانخفاض التدفقات النقدية، والحكومة نفسها تجد نفسها محاصرة في حلقة مفرغة من العجز المالي. وعندما يفقد الموظف القدرة على الاستهلاك، ينعكس ذلك مباشرة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يؤدي إلى إغلاق المتاجر وتسريح العمال، وتوسيع دائرة البطالة والفقر.
الانزلاق المستمر نحو الهاوية
والمؤشرات الاقتصادية تشير إلى انزلاق خطير ومستمر نحو أزمة أعمق وأشد. فنسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 86.3 في المائة في نهاية 2024، وتتوقع التوقعات أن ترتفع إلى 94.6 في المائة في 2025، و96.1 في المائة في 2026. هذه الأرقام تعكس انزلاقاً مستمراً نحو أزمة ديون لا يمكن السيطرة عليها، خاصة في غياب أي إصلاح هيكلي حقيقي قادر على ضبط الإنفاق وتحسين الجباية.
الخطر الحقيقي يكمن في أن الحكومة قد تجد نفسها محاصرة في حلقة مفرغة من الاقتراض المتزايد دون حل جذري. فاستخدام السندات دون معالجة الأسباب الأساسية للأزمة قد يفتح الباب أمام مزيد من الاقتراض، مما يؤدي إلى تراكم ديون لا يمكن سدادها في المستقبل، وبالتالي إفلاس مالي كامل للدولة.
إن الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب إرادة سياسية واضحة، ورؤية اقتصادية شجاعة تتجاوز الحلول المؤقتة والمسكنات، وتعيد بناء النموذج المالي الفلسطيني على أسس أكثر صلابة واستدامة. فالمطلوب اليوم ليس مجرد صرف الرواتب، بل إعادة الثقة للنظام المالي بأكمله، وفتح نافذة أمل حقيقية أمام اقتصاد يواجه أصعب اختباراته.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...