منع الغذاء ونشر الأمراض في مقدمة أساليب الإبادة الجماعية
الكاتب: أسامة خليفة
شعب بأكمله يوضع تحت المطر بلا مأوى بلا تدفئة وبنقص في الغذاء، إذا لم يكن هذا يسمى «إبادة جماعية»، فماذا يسمى إذاً؟. في ظل حالة غزة هذه، احيّت الأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ ديسمبر الذكرى العاشرة لليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، قامت بتنظيم فعاليات مهمة أبدعتها لتخدم أهدافها، فهل ساهمت في وقف حرب الإبادة الجارية حالياً في غزة؟. بدأت الاحتفالات والنشاطات وانتهت، وما زال الشعب الفلسطيني يتعرض لإجراءات إسرائيلية مصنفة في إطار الإبادة الجماعية، وبدعم مطلق، وتواطؤ وشراكة كاملة في الجريمة من خلال تزويد جيش الاحتلال بالأسلحة الفتاكة، وتأمين الغطاء السياسي لهذه الجريمة من قبل الولايات المتحدة التي ترفع شعارات حقوق الإنسان، وتعتبر جرائم الإبادة في غزة دفاعاً عن النفس.
كما جرى في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر إحياء مناسبة الذكرى الـ 77 لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتزامن الذكرى مع معاناة ما لا يقل عن مليون فلسطيني في قطاع غزة، نصفهم من الأطفال، من البرد والجوع بسبب استخدام إسرائيل المتعمد الدواء والغذاء والكساء والسكن كسلاح حرب ضد الشعب الذي تحتله.
وبينما كانت الأمم المتحدة تحيي المناسبتين، -في يومين متتاليين « ربما لإعطاء كل منهما دفعة قوة للآخر»-، كانت إسرائيل تغلق المعابر، وتحدّ من إدخال المساعدات من خيام وكرنفالات، مانعة الفلسطينيين من مأوى مناسب، وراحت تتغول على بيوت الفلسطينيين، بالاستمرار بتفجير ما تبقى منها سالماً أو شبه صالح للسكن، في المنطقة خلف الخط الأصفر، بينما مخيمات غزة تغرق بمياه الأمطار، وتبات العائلات في العراء، ويموت الأطفال من البرد، وتترافق أمراض الشتاء مع نقص في الغذاء والدواء، فيصبح السكان جاهزين للموت بالبنادق أو المرض، في تكرار لنموذج إبادة «الهنود الحمر» من خلال طرق مختلفة من بينها وأشدها فتكاً نقل الأمراض المعدية، ينتشر الوباء بينهم فتتم إبادتهم تماماً.
وصمة عار على جبين الإنسانية وعلى جبين الأمم المتحدة التي أقرت هاتين المناسبة لتكونا محطتي استذكار ضحايا الابادة الجماعية بالاكتفاء بإصدار البيانات التي لم تمنع استمرار حرب الابادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد أهالي غزة، ولا تمنع الإفلات من العقاب.
في 26 شباط / فبراير2024، أصدرت كل من هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، بياناً أعلنتا فيه أن إسرائيل فشلت في الامتثال لحكم محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير/كانون الثاني بمنع الإبادة الجماعية من خلال منع دخول المساعدات إلى غزة. وخلص تقرير صادر عن منظمة اللاجئين الدولية إلى أن إسرائيل «أعاقت بشكل مستمر ودون أساس عمليات المساعدة داخل غزة».
في 16 يناير/كانون الثاني 2024، اتهم خبراء الأمم المتحدة إسرائيل بتدمير النظام الغذائي في غزة. وتدمير القطاع الصحي بمبانيه، واستهداف العاملين فيه، أكثر من 1000 من العاملين في المجال الصحي، قد قتلهم الجيش الإسرائيلي، بينما هناك حوالي 300 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة، وراء القضبان في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كما دمّر جيش الاحتلال نظام الصرف الصحي، مما تسبب بتلوث المياه الجوفية وجعلها غير صالحة للشرب تنقل الأمراض والأوبئة.
في 4 نوفمبر، قال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في المياه وخدمات الصرف الصحي بيدرو أروجو إنه بناء على المادة 7 من نظام روما الأساسي، الذي يعتبر «الحرمان من الحصول على الغذاء أو الدواء، من بين أمور أخرى شكلاً من أشكال الإبادة، حتى لو لم تكن هناك نية واضحة، تظهر البيانات أن الحرب تتجه نحو الإبادة الجماعية».
تقول المؤرخة ميلاني تانييليان إن «الموت جوعاً والمجاعة والحصار يجب أن تكون في المقدمة كأساليب الإبادة الجماعية إلى جانب القصف الجماعي». مشيرةً إلى عدم تجاهل أشكال العنف الأقل إثارة في تدمير السكان، ومسلطة الضوء على العديد من عمليات الإبادة الجماعية الأخرى حيث تم استخدام المجاعة والجوع كوسيلة للتدمير.
وحتى ديسمبر/كانون الأول 2023، برنامج الأغذية العالمي مع الأمم المتحدة حذرا من تضاؤل الإمدادات الغذائية في غزة، وأفادا أن أكثر من نصف سكان غزة «يتضورون جوعاً»، وأن أكثر من تسعة من كل عشرة لا يأكلون كل يوم، و48% يعانون من «الجوع الشديد». ووجدت هيومن رايتس ووتش أن إسرائيل تستخدم المجاعة كسلاح حرب من خلال حرمانها عمداً من الوصول إلى الغذاء والماء. في 16 كانون الثاني/ يناير2024، اتهم خبراء الأمم المتحدة إسرائيل بـتدمير النظام الغذائي في غزة واستخدام الغذاء كسلاح ضد الشعب الفلسطيني.
وقال أستاذ القانون ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، إن إسرائيل مذنبة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية لأن «إسرائيل أعلنت نيتها تدمير الشعب الفلسطيني، كلياً أو جزئياً، لمجرد كونه فلسطينياً». ولأن «إسرائيل كانت تحرم الفلسطينيين من الغذاء عن طريق وقف المساعدات الإنسانية وتدمّر عمداً سفن الصيد الصغيرة والدفيئات والبساتين في غزة... لم نر قط سكاناً مدنيين يُجبرون على الجوع بهذه السرعة وبمثل هذه السرعة الكاملة، وهذا هو الإجماع بين خبراء المجاعة، فإسرائيل لا تستهدف المدنيين فحسب، بل تحاول تدمير مستقبل الشعب الفلسطيني من خلال إيذاء أطفالهم».
إلى جانب التحكم بإمدادات الغذاء، يعتبر علماء القانون استهداف البنية التحتية الصحية والعاملين في القطاع الطبي في غزة، يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حيث أدت إجراءات سلطات الاحتلال في غزة إلى انهيار نظام الرعاية الصحية تماماً، وبسبب نفاد الوقود بدأت المشافي في إغلاق أبوابها عندما انقطعت الكهرباء عن المستشفيات تماماً بحلول 23 أكتوبر/تشرين الأول، مات العديد من الأطفال الخدج في وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة. وقتلت الغارات الجوية الإسرائيلية العديد من الطواقم الطبية، ودُمّرت سيارات الإسعاف والمؤسسات الصحية والمقرات الطبية والمستشفيات. وأفادت التقارير أن العشرات من سيارات الإسعاف والمرافق الطبية قد تضررت أو دمرت، بما في ذلك استهداف طواقم الإنقاذ والإسعاف.
وقالت تلالينج موفوكينج، المقررة الأممية المعنية بالصحة: إن «الوضع في غزة يتعارض تماماً مع الحق في الصحة». وأن الاحتلال الإسرائيلي أعلن حرباً بلا هوادة على النظام الصحي في غزة، بعدما قصف مستشفيات ودمّرت، بما في ذلك مستشفى مخصص لعلاج الأطفال، حيث تم تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية في قطاع غزة بالكامل». وقالت موفوكينج إن إسرائيل لم ترد على المخاوف التي أثارتها بشأن الوضع. لكنها قالت إنه من الواضح أن إسرائيل «تقتل وتسبب ضرراً لا يمكن إصلاحها ضد المدنيين الفلسطينيين ,,, وإنهم أيضا يفرضون عن علم وقصد المجاعة وسوء التغذية والجفاف لفترات طويلة».
ومازالت حكومات العالم تلتزم الصمت تجاه المجازر الإسرائيلية خوفاً من تهمة معاداة السامية، وما تزال محكمة الجنايات الدولية عاجزة عن جلب مجرمي الحرب للمحاكمة بموجب نظام روما الأساسي.

