الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:05 AM
الظهر 11:35 AM
العصر 2:19 PM
المغرب 4:43 PM
العشاء 6:04 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

غزة: بين مأزق الإنقاذ واستحقاق التحرر الوطني

الكاتب: جمال زقوت

تعقيدات الواقع وتداخل الإرادات

لم تعد مسألة الحكم في قطاع غزة مجرد قضية إدارية أو تقنية، بل تحولت إلى عقدة سياسية وأخلاقية مركبة، تتشابك فيها المعطيات الواقعية والمفترضة مع المخططات الإسرائيلية وخطط ترامب. في قلب هذه الأزمة، لم يعد السؤال فقط من يحكم غزة؟ بل: هل هناك إمكانية فعلية لإنقاذ أهلها من الكارثة المركبة وخلق شروط استقرار إنساني ومسار سياسي ينهي الاحتلال ؟

المعيقات الإسرائيلية: تعطيل الإغاثة واستمرار الهيمنة

أي تصور للحكم في غزة يصطدم بعوائق بنيوية متداخلة. يركز الموقف الإسرائيلي على تعطيل الإغاثة وإعاقة الإعمار، لإبقاء خيار التهجير قائمًا كهدف غير معلن لكنه حاضر في السياسات والإجراءات. بذلك تُفرغ فكرة الحكم من مضمونها؛ إذ لا حكم فعلي ممكن من دون السيطرة على المعابر والموارد وحرية الحركة، وهي عناصر تعمل إسرائيل على تقويضها بشكل منهجي.

المواقف الفلسطينية

السلطة الوطنية: الشرعية الرمزية مقابل المسؤولية

تميل السلطة الفلسطينية إلى التركيز على استعادة نفوذها الرمزي في القطاع والتخلص من حماس، أكثر من انشغالها بتقديم إجابات عملية عن الاحتياجات الإنسانية للناس. هذا النهج يصطدم بالموقف الإسرائيلي الذي يمنع ممارسة الحكم فعليًا، وبالموقف العربي الذي يشترط سلطة “مؤتمنة” على الإعمار من دون ضمان سيادة أو توافق وطني.

حماس: رمزية البقاء أم أولوية الوطن

تعاملت حماس مع بقائها في غزة كرمز لانتصار سياسي ومعنوي، لكن هذا يتحول إلى عبء إنساني حين تُقدّم الرمزية على الأولويات الوطنية للشعب والمعيشية لأهل القطاع. الحكم بلا أدوات مادية ومؤسسية يصبح جزءًا من مأزق إدارة الكارثة، لا وسيلة لصمود السكان، ولا أداة لإنقاذهم، وسؤال المصير الوطني بلا جواب.

الخيارات الاستراتيجية: حماس والسلطة 

في ضوء حرب الإبادة وما أفرزته من دمار وتصدع في البنى السياسية، تواجه حماس والسلطة مفترقًا لا يحتمل إدارة الوقت أو تدوير الأزمة. فاستمرار حماس في المواجهة العسكرية بصيغتها الراهنة يطيل الاستنزاف الإنساني والعمراني دون أفق سياسي، في حين أن القبول بترتيبات مفروضة قد يقلص دورها تدريجيًا مقابل تهدئة هشة وإعمار مشروط. بالمقابل، اكتفاء السلطة بإدارة الأزمة ضمن الأطر القائمة أو الانخراط في ترتيبات ما بعد الحرب من دون تفويض وطني جامع يكرّس الجمود ويحوّلها إلى سلطة إدارية تدير نتائج العدوان بدل مواجهته سياسيًا.

يبرز الخيار الأكثر جدوى ومسؤولية في انخراط الطرفين في قيادة انتقالية وطنية جامعة تكون حكومة التوافق الوطني أحد مكوناتها الجوهرية، تتولى إدارة الإغاثة والإعمار وتوحيد المؤسسات، وتضع قرار السلم والحرب ضمن مرجعية فلسطينية واحدة، بما يوقف النزيف ويمنع فرض الحلول من الخارج، ويعيد القضية الفلسطينية إلى مسار سياسي وتحريري جامع.

تحدي الرفض الإسرائيلي: الوحدة والمسؤولية كمعادلة للتغيير

تظل المعضلة الكبرى أمام أي صيغة انتقالية فلسطينية في غزة هي الموقف الإسرائيلي المعارض، الذي يسعى لمنع أي استقلال فعلي في القرار أو السيطرة على الموارد. في هذا السياق، تظهر عناصر القوة الفلسطينية الأساسية متمثلة في الوحدة الوطنية، والجدية في الإدارة، والمسؤولية الأخلاقية والسياسية.

توفر الوحدة الوطنية، عبر قيادة انتقالية جامعة وحكومة توافق وطني واحدة وغير فصائلية، إطارًا متينًا يصعب تجاوزه، لأنها تحوّل أي محاولة إسرائيلية لفرض شروط أحادية إلى مواجهة مع الإجماع الفلسطيني الداخلي. أما الجدية والمسؤولية في إدارة المرحلة، مع وضع الأولويات الإنسانية والسياسية فوق حسابات السيطرة أو الرمزية، فهي تمنح المجتمع الدولي فرصة لتقبل هذه الصيغة بوصفها إطارًا عمليًا وموثوقًا للإنقاذ والإعمار، وليس مجرد خطاب رمزي أو فصائلي.

باختصار، يمكن للرفض الإسرائيلي أن يُكسر جزئيًا أو يُخفف أثره عبر بناء أسس متينة للشرعية الفلسطينية الداخلية، وتقديم إدارة مسؤولة وشفافة، وضمان التزام دولي واضح بحماية الصيغة الانتقالية، بحيث تصبح غزة مساحة لإعادة البناء السياسي والإنساني، لا مجرد ساحة صراع مستمرة.

الموقف العربي: التمويل بين الدعم والمصالح

الموقف العربي معقد: هناك استعداد لتقديم التمويل للإغاثة والإعمار، لكنه مشروط بوجود سلطة بديلة عن حماس، مع التزام سياسي محدد لضمان السيطرة على الموارد. هذا التمويل لا يقدم تصورًا عمليًا لكيفية تأسيس سلطة بديلة بقدرة فعلية وشرعية داخلية، ويكتفي بشرط رمزي بوجود "سلطة مؤتمنة"، ما يجعل دوره سياسيًا أكثر من كونه عمليًا. التناقض العربي يتفاعل مع الموقف الإسرائيلي، الذي يستفيد من أي خلل فلسطيني داخلي، ومع الموقف الأمريكي الذي يوازن بين الانحياز لإسرائيل والحرص على الرضا العربي، دون تقديم قوة دولية فعّالة لضمان التنفيذ.

الموقف الأمريكي وخطة ترامب: نجاح بلا أدوات

الموقف الأمريكي يظل منحازًا لإسرائيل، وإن أخذ الموقف العربي في الاعتبار شكليًا. فخطة ترامب تهدف لتسجيل “نجاح سياسي” دون أدوات تنفيذية فعلية، ما يحوّلها إلى إطار نظري يفتقر للقدرة على إنقاذ الناس أو تثبيت الاستقرار.

اختبار المسؤولية الفلسطينية

في لحظة الكارثة، السؤال ليس من على حق، بل من يتحمل مسؤولية استمرار النزيف الإنساني؟ على حماس التمييز بين دورها الفصائلي وأولوية الناس، والفصل بين الرمزية والحاجة الإنسانية، وقبول ترتيبات انتقالية تضع الاحتياجات فوق حسابات السيطرة. وعلى السلطة الفلسطينية تجاوز مقاربة “الخلاص من حماس” والتركيز على دور انتقالي إنساني ووطني جامع، قادر على إدارة الإغاثة والإعمار ضمن شراكة فلسطينية وعربية ودعم دولي.

السيناريوهات المستقبلية

في مواجهة هذا الواقع، تظهر ثلاثة سيناريوهات ممكنة: استمرار “اللاحكم”، الذي يقوم على إدارة جزئية تحت سقف إسرائيلي مع استمرار الحصار وتعطيل الإعمار، وهو الأعلى كلفة إنسانيًا واجتماعيًا؛ الحسم القسري، الذي يفترض فرض ترتيبات بالقوة أو عبر إملاءات خارجية، ويعيد إنتاج العنف ويحوّل الحكم إلى أداة ضبط أمني؛ وأخيرًا السيناريو الأكثر جدوى وهو الإنقاذ الانتقالي القابل للنجاح، الذي يعيد تعريف الحكم كوظيفة إنقاذية انتقالية ضمن إطار دولي ضامن وشراكة فلسطينية حقيقية، مع التزام إسرائيلي بوقف التعطيل ودور عربي سياسي فعال، ما يكسر الحلقة المفرغة ويؤسس لأفق سياسي وإنساني.

من الاستقرار الإنساني إلى التحرر الوطني

لا يمكن تحقيق استقرار فعلي في غزة بمعزل عن أفق سياسي واضح، ولا يمكن فتح مسار لإنهاء الاحتلال دون إعادة بناء الشرعية الوطنية على أساس حماية الإنسان أولًا. الحكم في هذه المرحلة ليس مجرد رمزية أو انتصار فصائلي، بل اختبار للمسؤولية الأخلاقية والوطنية والدولية معًا. ويكمن الاستقرار الحقيقي في ربط الإغاثة بالإعمار وتحويل إعادة البناء إلى رافعة سياسية ووطنية، بدل أن تكون مجرد أداة رمزية أو مالية، مع خلق مسار سياسي ملزم على الصعيدين الدولي والعربي، يفضي إلى إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال الوطني. من دون هذه الشروط، ستظل غزة مسرحًا للفشل الجماعي، وستستمر دائرة الانسداد السياسي والإنساني على حساب حياة ومصير أهل القطاع، والمصير الوطني برمته.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...