الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:08 AM
الظهر 11:37 AM
العصر 2:21 PM
المغرب 4:45 PM
العشاء 6:06 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

حدود دورها حين تُستدرَج اليونان إلى حروب الآخرين في غزة وشرق المتوسط

الكاتب: مروان اِميل طوباسي

تشهد منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تحولات متسارعة وخطيرة ، لا يمكن فصلها عن العدوان المستمر على قطاع غزة ، ولا عن محاولات إعادة رسم خرائط النفوذ الإقليمي تحت عناوين الأمن والطاقة وما يسمى «اليوم التالي». وفي هذا السياق ، يبرز الدور اليوناني بوصفه أحد العناوين التي يجري العمل على استدراجها تدريجيا إلى معادلات عسكرية وأمنية تتجاوز مصالح اليونان الحقيقية ، ولا تخدم الاستقرار الإقليمي ولا العدالة الدولية .
خلال الأيام القليلة المقبلة ، وتحديدا يوم غد الاثنين ، يُعقد اجتماع ثلاثي في إسرائيل يضم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، ورئيس الجمهورية القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ، لبحث ملفات التعاون في شرق المتوسط ، وعلى رأسها قضايا الأمن والطاقة . ويأتي هذا الاجتماع في توقيت بالغ الحساسية، إذ يُعقد بينما يواجه نتنياهو ملاحقة قانونية دولية على خلفية جرائم وانتهاكات جسيمة ارتُكبت خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة ، ما يطرح تساؤلات سياسية وأخلاقية حول طبيعة الشراكات التي تُبنى في ظل هذا الواقع ، وحول حدود المسؤولية القانونية والسياسية المترتبة على أي انخراط في ترتيبات ما بعد ذلك العدوان غير المنتهي والممتد اليوم الى باقي اراضي دولة فلسطين المحتلة .
في هذا الإطار ، يُعاد طرح مسألة مشاركة اليونان في مرحلة ما يسمى «اليوم التالي» في غزة دون مشاركة الطرف الفلسطيني ممثلا في منظمة التحرير كصاحب الولاية السياسية والجغرافية ، سواء عبر قوات هندسية أو أدوار مساندة ، وهي مشاركة قد تبدو في ظاهرها تقنية أو إنسانية ، لكنها في جوهرها تنطوي على مخاطر سياسية وقانونية كبيرة . فالمشاركة في إدارة نتائج العدوان والحرب ، دون معالجة جذورها المتمثلة بالأحتلال وغياب الحل السياسي ، تعني عمليا الإسهام في تكريس واقع فرضته القوة العسكرية الأسرائيلية بمشاركة أمريكية ، لا في إنهائه .

وتتضح أبعاد هذا الاستدراج أكثر من خلال ما نشرته صحيفة «معاريف» العبرية ، التي كشفت أن إسرائيل شرعت فعليا في تطوير بناء تحالف إقليمي يضم اليونان وقبرص ، بهدف مواجهة ما تصفه "بالتمدد التركي" في شرق المتوسط بليبيا وسوريا وغزة . ووفق الصحيفة ، لم يقتصر الأمر على التنسيق السياسي ، بل جرى تكليف قائد سلاح الجو الإسرائيلي بقيادة مسار عسكري مباشر ، شمل اجتماعات ثلاثية مع نظيريه في اليونان وقبرص ، ومناورات مشتركة ، والعمل على تطوير منظومات دفاع جوي متكاملة .
الأخطر في هذا السياق هو النظرة الإسرائيلية إلى قبرص بوصفها «حاملة طائرات» متقدمة ، إذ استُخدمت مطاراتها بالفعل كبدائل استراتيجية للطيران الإسرائيلي خلال عدوان الإبادة والحرب ، وتُجرى تدريبات على استخدامها في حالات الطوارئ . هذا المنظور يثير تساؤلات مشروعة حول الدور الذي يُراد لليونان أن تلعبه مستقبلا ، هل هو دور شريك في حفظ الاستقرار ، أم منصة متقدمة في صراعات إقليمية قد تتحول إلى حروب مفتوحة ، لا تخدم مصالح الشعب اليوناني ولا أمنه وفق الرؤية الأمريكية للمنطقة ؟
إن ربط غزة بملفات شرق المتوسط ، ودمج قضايا الطاقة والاتفاقيات المتعلقة بالغاز ومنها الاتفاقية الاخيرة بين مصر وإسرائيل والممرات الجوية والتحالفات العسكرية في سلة واحدة ، يكشف أن الحديث عن مشاركة يونانية «غير قتالية» يخفي خلفه مشروعا أوسع لعسكرة المنطقة . وهو مشروع يحمل في طياته مخاطر حقيقية على الاستقرار الإقليمي ، ويضع اليونان أمام خيارات قد تتعارض مع تاريخ شعبها السياسي في مقاومة أحتلال أراضيها عبر عقود ماضية زمن التوسع العثماني والوحش النازي لاحقا ، ومع مبادئ القانون الدولي التي طالما أعلنت اليونان التزامها بها .

في المقابل ، لا يمكن إغفال موقف الشعب اليوناني الصديق ، الذي يُعبّر يوميا بوضوح عن تضامنه العميق مع شعبنا الفلسطيني وكفاحها العادل . فقد شهدت اليونان مؤخراً كما بالعقود السابقة ، سلسلة فعاليات شعبية ونقابية وثقافية داعمة لفلسطين ، شاركتُ في عدد منها خلال زيارتي الأخيرة ، بما في ذلك مؤتمر صحفي مشترك مع مؤسسة «مانوليس غليزوس» ، جرى خلاله إطلاق حملة تواقيع على وثيقة تطالب الحكومة اليونانية بالتحرك الجاد للضغط على إسرائيل من أجل الإفراج عن الأسيرين القائد مروان البرغوثي والقائد أحمد سعدات وكافة الأسرى الفلسطينيين . هذا الحراك الشعبي يعكس بوضوح الفجوة بين المزاج العام في الشارع اليوناني وبعض التوجهات الرسمية في حكومة اليمين الحاكم ، ويؤكد أن اليونان ما زالت تملك فرصة للتموضع إلى جانب العدالة وحقوق الإنسان .

إن ما تحتاجه غزة اليوم ليس قوات إضافية ولا ترتيبات أمنية جديدة لإستدامة الأحتلال بمسميات مختلفة وتقسيم غزة وفصلها عن الضفة الغربية ، بل وقف العدوان ، وإنهاء الأحتلال ، وإطلاق مسار سياسي حقيقي يستند إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية يقضي الى إنهاء الأحتلال الاستيطاني اولاً وتنفيذ حق شعبنا بتقرير المصير وتجسيد اقامة دولته ذات السيادة . وإذا أرادت اليونان أن تلعب دورا إيجابيا ومؤثرا في المنطقة ، فإن دورها الطبيعي هو دعم هذا المسار بوضوح دون ازدواجية معايير ونفاق سياسي ، لا الأنخراط في مشاريع عسكرية ملتبسة قد تُحسب عليها تاريخياً وسياسياً .

في لحظة إقليمية شديدة التعقيد ، يصبح من الضروري التمييز بين الشراكة التي تخدم السلام والأمن ، وتلك التي تَجرّ الدول إلى حروب الآخرين . واليونان ، بتاريخها ونضال شعبها وتجربتها الديمقراطية ، مدعوة اليوم لإختيار الموقع الذي ينسجم مع قيمها ومصالحها ، ومع صوت شعبها وقواها التقدمية ومؤسس دولتها الحديثه بابندريو كما وشعوب العالم المتضامن مع فلسطين.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...