هوس ليبرمان واستهبال نتنياهو والثبات على الموقف
الكاتب: روحي فتوح
فنهج إسرائيل مكشوف على مدار الصراع معها: تُعلَن الخطة المؤامرة من قبل مسئول حكومي أو حزبي عبر تصريح صحفي، أو محاضرة، أو مبادرة حزبية أو فردية، وبعد رصد ردود الأفعال تنفي علاقتها الرسمية وتعتبرها وجهة نظر لا تمثل إلا صاحبها، وفي نفس الوقت تقوم بتسويقها وتحشد لها التأييد سراً من قبل حلفائها في المجتمع الدولي، أمريكا ودول أوروبية.فخطة ليبرمان، بالتأكيد نسقها مسبقاً مع نتنياهو وحلفائهما اليمين الإسرائيلي، تهدف إلى التخلص من مجرد فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة.فغزة تشكل أحد شطري تكوين الدولة. دولة بلا غزة أكذوبة، ودولة بلا القدس أكذوبة الأكاذيب .
لم تأت خطة ليبرمان من فراغ، إنها تستند إلى حالة الانقسام ومحاولة استغلاله قبل أن يتعقل الفلسطينيون ويكبروا عقولهم ويتصالحوا! فإسرائيل تسابق الزمن من أجل قطع الطريق على المصالحة وعودة الوحدة بين شطري الوطن. فالأمر لا يمكن تمريره على أنها هلوسة سياسية ليبرمانية.
يجب التحرك والعمل على إجهاض هذا المخطط العدواني قبل فوات الأوان، والتصدي الجدي يكمن في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.عادت بي ذاكرتي للوراء طويلاً أثناء كتابتي هذا الموضوع، وحضرتني حكاية رجل كنا نركض خلفه ونحن أطفالاً بزفة مرددين عبارة "الهوس طالعلو ذنب". فذاك الرجل المهووس فيه شبه كبير من شكل أفيغدور ليبرمان.
لا فرق بين مهووس مخيم الشابورة في رفح، الذي كان يسير في أزقة المخيم يكلم نفسه بصوت عال ويحرك يديه ويرقص حاجبيه ويلتفت يساراً ويميناً، وبين ليبرمان الذي يطالب بفك علاقة إسرائيل الدولة المحتلة وإخلاء مسئوليتها القانونية عن القطاع، وإبقاء سيطرتها على المعابر البرية والبحرية والجوية.ليس وحده المهووس في القيادة الإسرائيلية، فرئيس حكومتها نتنياهو أعلن بتفاخر أنه "دمر اتفاقات أوسلو ويحرك الإدارة الأمريكية كما يريد"، ويضغط على الإدارة الأمريكية من أجل الدخول في المفاوضات المباشرة والقفز على مفاوضات التقريب التي لم تحقق شيئاً.ما صرح به نتنياهو كاشف لأكاذيب إسرائيل ويحملها وحدها مسئولية تدمير عملية السلام. المحزن لم نشهد تحركا فلسطينيا يعري حكومات إسرائيل الحالية والسابقة. فإلي متي سنبقي نستقبل الاستهبال الرسمي الإسرائيلي دون التصدي لبجاحاتهم.
لقد قدم نتنياهو اعترافاً صريحاً بمسئولية إسرائيل بتدمير عملية السلام. فلا ننسي حملة براك - بيرس ضد الشهيد ياسر عرفات وتحميله فشل كامب ديفيد ومعه قيادة م.ت.ف. كما سعت لاستفزاز الشعب الفلسطيني بالسماح لشارون دخول المسجد الأقصى في سبتمبر 2000م.
الخشية من تكرار المشهد بتحميل الفشل (غير المعلن) للرئيس محمود عباس وللقيادة الفلسطينية، بالرغم من وضوح الموقف الفلسطيني. كمائن مريبة نصبت للقيادة الفلسطينية شائكة ومركبة.
فالوضع الداخلي الناتج عن حالة الانقسام وفشل جهود المصالحة يشجع القيادة الإسرائيلية الاستخفاف بالقدرات الفلسطينية والتمادي في إحكام الحصار على قطاع غزة، والاستمرار في أعمالها العدوانية اليومية في الضفة الغربية: بناء المستوطنات وتوسيعها، سرقة المياه الجوفية، إبتلاع الأراضي بسورها الذي يتلوى من شمال الضفة إلي أقصى نقطة جنوبها، الحواجز العسكرية التي تلحق أبشع أنواع الإذلال العنصري عبر التاريخ ضد المواطنين العزل، بالإضافة إلى إجراءاتها لتهويد القدس، وهدم المنازل داخل المدينة وفي مناطق (ج)، وآخر أفعالها قانون أملاك الغائبين، والأخطر قرارها طرد أعضاء المجلس التشريعي المقدسيين الأمر الذي يهدد شعبنا المقدسي كله بالطرد من مدينته. وكي لا يتحول مسهم الشيطاني باستدامة حالة المماطلة والتسويف، القائمة منذ عام 1995م ولغاية يومنا، إلى إدمان نتعايش معه أصبحنا بحاجة لثقافة ترفض سمة التعايش بسلبية الصبر على الاستهتار الإسرائيلي، وبحاجة لقرارات ومواقف غير قابلة للتأويل أو الاجتهاد.
كما أدرك أن القيادة الفلسطينية تواجه صعوبات جمة وفي وضع لا تحسد عليه. ليس مطروحاً عليها شيئاً ترفضه أو تقبله، ولا يوجد لديها الوقت اللازم للمناورة أو لمعالجة الشأن الداخلي، كما يُمارس عليها أنواع الضغوطات الثقيلة كافة. فهي لا تستطيع أن تجازف بقبول وعود شفهية أو ضمانات غير موثقة. فتجربة كامب ديفيد ما زالت ماثلة، التي لم يسجل فيها أي محضر أو حتى ورقة واحدة.الخشية من الاستمرار في الدوران في الفراغ وتبديد الزمن وإهدار الجهد، فالزمن معاكس لنا ولا يفيد إلا إسرائيل.
استطاعت إسرائيل اللعب على عامل الوقت لأنها المستفيد الوحيد من الانقسام الفلسطيني، ويدفع ثمنه الكل الفلسطيني بلا استثناء.
إن مواقف القيادة الإسرائيلية المعلنة هي وصفات تصلح لقتل السلام وإعلان حرب على كل الاتفاقيات والتفاهمات السابقة. في حين أن القيادة الفلسطينية تطالب الاتفاق على رسم الحدود في إطار أراضي 1967م، والأمن، قبل الدخول في المفاوضات المباشرة للبحث في قضايا الوضع النهائي. ومع ذلك إسرائيل ترفض وتتملص وتضغط على الإدارة الأمريكية من أجل الذهاب إلى المفاوضات المباشرة دون الالتزام بشيء وإبقاء الغموض سيد الوضع وبلا مرجعية.إن الثبات على الموقف برفض الذهاب إلى المفاوضات المباشرة إلا بعد تحقيق المطالب الفلسطينية ومعرفة حدود الدولة الفلسطينية وتحديد نسبة التبادل في الأراضي المعلن عنها فلسطينياً سيجعلنا نظفر بزفة نتنياهو وليبرمان بـ"الهوس طالعلو ذنب".
ولكن يا خوفي من العابثين المبدعين في الفشل والتبرير، عندها، لا سمح الله سيقال فينا الكثير، ربما سينبت قرون وحوافر، والزفة لن تكون على مستوى رفح ومخيم الشابورة، بل ستكون على المستويين العربي والإسلامي وعلى طبل فرقة حسب الله أو( فرقة فدعوس الغزاوية) الله يستر.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.