المفاوضات المباشرة... نومٌ "تحت" حضن الشيطان!!!
الكاتب: عبد الناصر النجار
راية نيوز: حتى لا يعيد التاريخ نفسه، ونقع كصيْدٍ سهلٍ في شباك الاحتلال، والقوى التي تُسانِدُه... يجب أن نكون حذرين ومنتبهين إلى ما يُنسَج حولنا من مبادرات، ستساهم، فقط، في تقوية كينونة الاحتلال، وتزيد من الضعف في أوصال القضية الفلسطينية، التي هي في أسوأ أوضاعها منذ فرض الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1920.
لـماذا هذا الإصرار ــ غير الـمسبوق ــ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إجراء الـمفاوضات الـمباشرة؟ وهل يرغب حقاً في تحقيق السلام؟ وهل تاريخه يشفع له بذلك، أم أنه تعرّض في الأسابيع الـماضية لصدمة في ذاكرته حوّلته، فجأةً، من شيطان إلى ملاك؟؟!!.
نتنياهو، الذي كشفت وسائل الإعلام عن شريط يتبجّح فيه بأنّه أفشَلَ اتفاقية (أوسلو) ودمّرها... وأنّه تملّص من كافة الضغوط التي مورست عليه، وتمكّن من قتل مسيرة السلام!!! هل هو الآن نتنياهو آخر؟؟!!.
وهل اليمين الإسرائيلي، قبل 15 عاماً، هو غيره في العام 2010، أم أنه أصبح أكثر تطرفاً وعنصرية ورفضاً لوجود الآخر... وليس القبول به؟!!.
الشيطان سيظل كذلك، حتى لو عاش مع الـملائكة... والذئب سيبقى كذلك ولو ارتدى فراء حَمْل... فلـماذا لا نتمهّل قبل أن نجد أنفسنا في حضن الشيطان أو بين أنياب الذئب؟!!
أمّا عن التاريخ؛ فماذا لو اتفقنا على لعبة الكلـمات الـمتقاطعة في إسقاطٍ للتاريخ على الحاضر... وليكن العامان 1936 و2010 هما الـمنطلق لهذه اللعبة.
في العام 1936، تبنى الـملوك والأمراء العرب مبادرةً لإيقاف الثورة الفلسطينية، بعد ضغوط بريطانية عليهم للتدخّل.
في بداية العام 2010، اتخذت لجنة الـمتابعة العربية الـممثلة للـملوك والرؤساء والأمراء، قراراً ببدء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لـمدّة محدّدة أربعة أشهر].
في العام 1936، قررّت الحكومة البريطانية إيفاد لجنة ملكية برئاسة اللورد ايرل بيل، عُرِفت باسْمِه لجنة بيل]، والتي على أثْرها انتشرت أغنية شعبية متهكّمة، بدايتها "دبِّرْها يا مستر بيل..."، للتحقيق في أسباب الإضراب، وبناءً على الضغوط البريطانية، قام كل من ملك السعودية عبد العزيز بن سعود، وملك العراق غازي بن فيصل، وإمام اليمن يحيى حميد الدين، وأمير شرق الأردن عبد الله بن الحسين، بالضغط على اللجنة العربية العليا لفلسطين، من أجل وقف الإضراب، من خلال موفد العرب نوري السعيد، وزير خارجية العراق.
في العام 2010، وبتاريخ 29 تموز، أعطت الضوء الأخضر للقيادة الفلسطينية للبدء بالـمفاوضات الـمباشرة، تاركة تقدير الـموقف للرئيس أبو مازن، عندما تتوافر أجواء الـمحادثات.
ولعلّ القيادة الفلسطينية حاولت، منذ نهاية العام الـماضي، قذف الكرة باتجاه الـملعب العربي، من أجل الحصول على الدعم والعون، وبناء موقف قوي أمام الضغوط الأميركية (بدل البريطانية السابقة)، ولكن العرب، وكعادتهم منذ العام 1917، أعادوا الكرة الـملتهبة إلى يدي الرئيس، دون خطة واضحة، أو بناء إستراتيجية موحّدة، وكأن الزعماء العرب يريدون التخلّص من هذا العبء الكبير، وحتى لا يذكرهم بسيِّئِ أفعالهم...!!.
في العام 1936، وجّه القادة العرب نداءً إلى الشعب الفلسطيني، يدعونه فيه إلى الصبر والهدوء، وأنه لا بد من الاعتماد على "حُسْن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورعيّتها الـمعلنة لتحقيق العدل" جزء من النص الحرفي للنداء].. قَبِلت اللجنة العربية العليا النداء، ودَعَت إلى إنهاء إضراب الـ 36 في الثاني عشر من تشرين الأول، ولكنها اشترطت وقف الهجرة اليهودية، إلاّ أنّ الحكومة البريطانية أدارت ظهرها لهذا الشرط، وتواصلت هذه الهجرة، التي كانت سبباً رئيساً في النكبة.
قبل بداية العام 2010 بعدّة أشهر، كان الـموقف الفلسطيني قائماً على "لا مفاوضات دون وقف الاستيطان". الولايات الـمتحدة لـم ترَ في وقف الاستيطان ضرورة لربطه بالـمفاوضات، وتملصت من مواقف سابقة... وقامت بالتفريق بين البناء غير الـمكتمل والبناء في القدس والبناء لأغراض إنسانية... وعلى الرغم من كل الأكاذيب، فإن البناء في الـمستوطنات استمرّ، ومَن لم يصدّق فليتجه إلى أقرب مستوطنة، وينظر من بعيد، إنْ كان البناء قد توقف..!!!
بعد استئناف الهجرة، في نهاية العام 1936، قررت اللجنة العربية الفلسطينية مقاطعة "لجنة بيل"، ومرّة أخرى، وبناءً على ضغط بريطانيا أَوَلَيْست لندن مربط خيولنا] تَدخَّل الـملوك والأمراء العرب؛ ما أدّى إلى انشقاق خطير في الـموقف الوطني الفلسطيني، انشقّ كل مِن راغب النشاشيبي، ويعقوب فرّاج، وهما ممثلان عن حزب الدفاع من اللجنة... وبالتالي، أدى هذا الانقسام الخطير إلى ضعف كبير في الـموقف الفلسطيني، خاصة بعد أن أعلنت "لجنة بيل" عن توصيتها بتقسيم فلسطين، ما حدا بالفلسطينيين إلى استئناف الثورة... ولكن؛ وهُم ضعفاء؟!!!
في العام 2010، إذا ما بدأت الـمفاوضات الـمباشرة، فإننا سنجد أنفسنا أمام هجمة استيطانية شرسة، في منتصف أيلول الـمقبل، ستؤدي إلى مزيد من الضعف في الـموقف الفلسطيني... وربما سنوقف الـمفاوضات، ولكن كما في نهاية العام 1936، سنكون في أضعف حالاتنا...!!
نداء الـملوك في العام 1936، وَصَف بريطانيا بالصديقة التي يمكن الاعتماد على صداقتها... وفي العام 2010 وصفت لجنة الـمتابعة العربية، الضمانات الأميركية، أو رسالة أوباما، بالنوايا الحسنة... .
وبين الصداقة والنوايا الحسنة، سنجد أنفسنا مصابين بمرض السير ونحن نيام، ولكن إلى حضن الشيطان، أو "تحت" حضنه!!!.
a-najjar@al-ayyam.com