الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:59 AM
الظهر 12:35 PM
العصر 4:07 PM
المغرب 6:54 PM
العشاء 8:11 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

جولة خاطفة في البلدة القديمة بالقدس

الكاتب: ميسة أبو غزالة

رايه نيوز: تروي القدس بحضارتها وأصالتها وعراقتها وعروبتها وقدسيتها حكاية حاضرها وماضيها بتراثها الخالد للأجيال ليبقى عشقها في قلوب الملايين عربا ومسلمين..تلمع شوارعها وحاراتها وأزقتها وأسواقها وهي ترسم معالمها التاريخية يفيض منها أريجها وعطرها، حيث تحلو الزيارة حين تتجول داخل سورها العتيق الذي يحتضنها كما تحتضن الأم وليدها.

وفي القدس حرف وصناعات توارثها الأبناء عن الاباء والأجداد جيلا بعد جيل..حرف ما زالت تحكي صمودها واستمرارها رغم المعاناة والحصار.

ورغم التغريب فان هناك حرفا ضاعت واندثرت مع تغير ظروف المعيشة والمتطلبات للتطور والتقدم، ومن خلال جولة في أسواق القدس القديمة كان لنا لقاء مع أشهر وأقدم الحرف التي ما زالت ماثلة أمام العين.

"خان الزيت"..عصب البلدة القديمة

في سوق خان الزيت من أشهر أسواق البلدة القديمة وأطولها، اذ يتحد من نقطة مفترق شارع الواد وسوق خان الزيت بعد عدة أمتار من مدخل باب العمود، يمتد حتى سوق العطارين، يعج بالمحال التجارية المتعددة، محلات لبيع الملابس الجاهزة والأحذية والذهب والحلويات والبقالات واللحوم والمطاعم والمكتبات عدى عن محلات الخضار والفواكه، وقديما كان يشتهر ببيع الزيت والزيتون والصابون والحبوب والبقول.

يزدحم الناس بكثرة ويزداد هذا الازدحام في مواسم الأعياد والجمع، وترى بعض القرويات يتخذن من جوانب السوق الضيقة أماكن لبيع ما تحملنه من بقول وخضار وألبان جافة للمارة.

في وسط السوق محمص القضماني وهو من أقدم المحال التجارية التي اشتهرت ببيع المكسرات والحلويات، دخلنا المحل..أعلمني صاحبه انه ورثه عن أبيه منذ العام 1948 بعد إجبارهم على ترك محلين في شارع يافا بسبب النكبة الفلسطينية.

شرح لنا صاحب المحل "نادر القضماني" كيفية عمل (الملبس) وتحميص البزر والآلات المستخدمة حاليا وقديما، حيث كانت تستخدم الآلات اليدوية على الصاج أما حاليا فتستخدم الماكينات الكهربائية.

وأوضح أن تحميص البزر يحتاج إلى وقت وجهد كبير وبحاجة إلى جو رطب ومساحة كبيرة لعمله، وقال :"رغم وجود أنواع مختلفة وجديدة من البزر كالهندي والماليزي الا أن اقبال الناس على بزر البطيخ والقضامة لم يتغير".

لكن القضماني شكا من الركود الاقتصادي وقال :"كنا نعتمد على أهالي القرى المحيطة بالقدس لكن الجدار والمعابر حالت دون حضورهم ولكن علينا الصبر والصمود، فهذا مصدر رزقنا ووجودنا في القدس".

وفي منتصف السوق يقع محل السلفيتي للمواد الغذائية ومواد التنظيف..ويجلس صاحبها فاروق على كرسيه ويقول :"ان هذا المحل موجود منذ ما يزيد عن ثمانين عاما وورثته عن والدي وحافظت على المهنة والمحل".

رائحة البن تشد المارين عن بعد..تقع مطحنة صندوقة القائمة منذ العام 1944 قرب درج حارة النصارى، حيث توارث الجيل الجديد عن القديم طريقة تحميص القهوة، حيث يقول علاء الدين صندوقة :"إن القهوة شيء اساسي وله دلالات مهمة في حياة الناس رغم دخول مشروبات أخرى كـ(النسكافيه) و(الكابوتشينو) كمشروب سريع".

الساعاتي والحلواني

في الطريق المؤدية إلى شارع الواد "طريق خاصكي سلطان" يقع محل الساعتي "محمد الزير الحسيني" القائم منذ ما يزيد عن الخمسين عاما، والذي قال : "لقد تعلمت المهنة من شقيقي وأنا علمتها لأولادي، وهذه المهنة بحاجة إلى هدوء أعصاب وبال طويل لمواكبة تطور العصر، ففي بداية عملي كنت أصلح الساعات التي تعبأ يدوياً، ثم الأوتوماتيكية، واليوم تحولت إلى الالكترونية الرقمية".

وعلى بعد أمتار منه يقع محل العمد لبيع الحلاوة حيث أوضح "ربحي العمد" ان المحل قائم منذ مئة عام في المدينة حيث كانت الحلاوة تخلط يدويا وتتكون من الطحينة وشرش الحلاوة والسكر والجلوكوز، وقال ان الحلاوة تطورت مع الزمن وادخلت عليها اذواق جديدة كالقهوة والفواكه المجففة، أما مصانع الحلاوة فحاليا تقع في نابلس بسبب توفر المواد الخام وسهولة نقل احتياجاتها والآلات تقوم بهذا العمل، بعدما كانت في شارع الواد.

وقرب درج الأقباط يقع محل "سمير زلاطيمو" للحلويات وهو قائم منذ العام 1860 والذي اشتهر بصنع "المُطَبْق" الذي كان يقبل الناس عليه للإفطار، حيث أوضح أبنه هاني أنه يصنع من الطحين والسميد والجبنة البلدية النابلسية ويحمل نفس الطعم منذ عشرات السنين، ويعتبر هذا المحل أساسا لكل فروع محلات زلاطيمو في القدس.

العطارين والخواجات

وفي سوق العطارين السوق الذي يلي خان الزيت.. الذي اشتهر بمحال التوابل والإعشاب لكن لم يبقى سوى عدة محلات فقط، ومن أقدمها محل ربحي رفيق القيسي المقام في السوق منذ عام 1940 وقال :"لقد تعلمت المهنة من جدي ووالدي وسأعلمها لأولادي فإقبال الناس عليها لم يتغير، كذلك زاد إقبال الناس على الأعشاب المختلفة لأنهم عادوا للطب العربي".

وشرح عن كيفية طحن التوابل على الحجر أما اليوم فحلت محلها الماكينات الكهربائية، وهي مستوردة من الخارج منذ القدم.

وإلى يسار سوق العطارين يقع سوق الخواجات الذي كان يشتهر ببيع الذهب أما حاليا فمحالة التجارية تقتصر على الأقمشة كما أوضح أحد أصحاب المحلات هناك "وحيد الإمام" وقال :"إن مهنة بيع القماش التي تشتهر بها القدس في طريقها إلى الانقراض، فلم يعد المواطن يلجأ إلى التفصيل والخياطة".

وكما قال الإمام فالعديد من الحرف المتعلقة بالأقمشة والخياطة اختفت مثل تنجيد المقاعد حيث حلت الأطقم الجاهزة المستوردة محلها.

الباشورة:البضائع الصينية

والى الأمام من سوق العطّارين يقع سوق الباشورة والذي اشتهر بعد نكبة عام 1948 ببيع الملابس المستعملة وتبديل وشراء الملابس القديمة والتي يطلق عليها "البالات" للسكان حيث اشتهرت عائلتي الكركي والدميري في البيع، لكن حاليا فأغلب محلاته تحولت الى بيع الخزف ومواد السياحة.

وقرب هذا السوق ما زال محل "لطفي الشويكي" شاهداً على ذلك العصر حيث قال صاحبه عندما سألته :"هل يشتري أحد منك هذه الملابس القديمة؟" ضحك وقال :"اليوم غطت البضاعة الصينية المستوردة على الجميع فالقميص الجديد بـ 10 شيكل والبنطال بـ 20 أما أنا فبقيت في هذا المحل لأحافظ عليه فلا أريد أن يضيع مني فهو جزء من حياتي ورثته عن والدي".

حارة الشرف: صامدون

وساقتني قدماي إلى حارة الشرف والمعروفة حاليا بحارة اليهود..وما يلفت الأنظار كثرة أعلام الاحتلال الإسرائيلي والحفريات الأثرية والمجموعات السياحية (الإسرائيلية) ومواقف السيارات ، هناك التقيت بصاحب مخبز "عماد أبو سنينة" وهو واحد من بين أربعة أو خمسة محلات تجارية يملكها العرب لا يزال أصحابها صامدون فيها رغم ما يعانوه من مقاطعة من ناحية، ومحاولات التهجير أو مضايقات أو متطلبات تعجيزية لتجديد رخصة المهنة من ناحية أخرى.

المواطن أبو سنينة وهو في العقد السادس من عمره ورث المخبز أباً عن جد..أكثر من سبعين عاما والمخبز يشعل ناره أي منذ أيام الانجليز وقال :"لقد ورثت حرفة الخبازة عن والدي الذي ورثها عن والده واليوم نعمل بها أنا وأخوتي وأولادي وستبقى حتى أن يشاء الله لها".

ويشير إلى أن الأجهزة الكهربائية حلت محل الطريقة اليدوية، ويتم الخبز حاليا على (الديزل والكهرباء) بعد منعهم من استخدام الحطب "لأنه مضر بالبيئة".

وهكذا يستمر المخبز بالعمل "خبز ومعجنات وكعك بالسمسم"، ويقول أبو سنينة :"الحال اليوم ليس كما كان في السابق ها نحن قد انهينا العمل وأطفأنا المخبز كما تشاهدين الساعة الواحدة ظهرا في حين ان العمل كان يستمر الى ما بعد العصر"، موضحاً أن اليهود في الحارة يضايقونه بكتابة بعض الشعارات العنصرية على باب دكانه في حين تحاول الجهات الرسمية شراءه أو نسفه!!.

تحتاج العديد من الأسواق والحارات إلى صفحات من الكتابة فيما تتطلب الحرف والمهن القائمة والغائبة بحثا عميقا في جذر التاريخ، لتغطس حينها الكتابة في الأعماق..قد تحتاج لزيارات مكثفة أخرى، لكنها المدينة العريقة بتراثها وحكاياتها وقد غادرتها قسرا ورائحة أسواقها الزكية تأسرني وتقرع طبول عودتي في القريب.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...