القدس.. في يوم من أيام الله
الكاتب: المحامي زياد أبو زياد
رايه نيوز: بينما كان المشتغلون في السياسة منهمكون في الحديث عن البيان المرتقب للجنة الرباعية الذي يفترض ان يتضمن صيغة تتيح استئناف المفاوضات المباشرة، كانت القدس بشكل خاص والاراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام تعيش اياماً مشهودة من العبادة والصمود والمقاومة.
كان شاب من نابلس يتسلق الجدار حتى يتمكن من الوصول الى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة الأولى في رمضان ولكن الحظ يخونه فيسقط عن الجدار ويجد نفسه في مستشفى المقاصد بالقدس لأيام نرجو ان لا تطول، وكان مئات الالاف من المؤمنين يتدفقون نحو القدس من كل حدب وصوب يحاولون الوصول الى المسجد الأقصى لأداء الصلاة فيه فينجح النزر اليسير منهم في عبور المعابر التي اقامها الاحتلال لمنع ابناء الضفة الفلسطينيين من الوصول الى قلب الضفة.. قلب فلسطين.. القدس، وكان الالاف يعيشون اشتباكاً كلامياً وأحياناً يدوياً مع قوات الاحتلال عند المعابر وعند كل نقطة يمكن للمرء ان يمر منها الى القدس، ويضطرون للعودة أدراج الرياح أو اداء الصلاة عند آخر نقطة استطاعوا الوصول اليها في طريقهم الى القدس!..
وفي غضون ذلك، كانت المئات تعيش حال اشتباك مع قوات الاحتلال في العديد من المواقع والبؤر التي تحولت الى أماكن رمزية تشهد على ضراوة الهجمة الاستيطانية الاسرائيلية وجذوة التصدي الانساني الفلسطيني ضد هذه الهجمة.
كانت المواجهات والاحتجاجات تمتد على ربى وسهول الوطن من قرية بلعين التي اصبحت رمزاً للمقاومة الشعبية للجدار والاستيطان الى النبي صالح والمعصرة جنوب بيت لحم والولجة جنوب غرب القدس.. وكانت هذه المواجهات التي انطلق بعضها من المساجد بعد اداء صلاة الجمعة تضم العديد من المواطنين مسلمين ومسيحيين اضافة الى المتضامنين الاجانب الذين كان بينهم العديد من نشطاء السلام الاسرائيليين، وكانوا جميعاً الصائم والمفطر هدفاً لقنابل الغاز المسيل للدموع في حر هذه الايام وقيظها.
كانت الضفة والقدس في حالة تجل وتحد للاحتلال والاستيطان واصرار على ممارسة الحياة الحرة الكريمة على أرض الآباء والاجداد سواء حدث انفراج في الجهود السياسية المبذولة لاستجلاب المفاوضات او لم تنجح.
وكان لسان حال المؤمنين الذين تدفقوا على القدس سواء منهم من استطاع اختراق الحواجز والوصول الى الأقصى ومن لم يستطع، يقول للاسرائيليين: منذ متى وبأي حق نصبتم انفسكم اولياء على القدس ارض المحشر والمنشر اولى القبلتين وثالث الحرمين؟ وبأي حق تمنعون المؤمنين المسلمين من اداء شعائر الصلاة في بيوت الله؟
وعلى الجانب الآخر، كان هناك من يدعي الكرم والتساهل ويمن على الناس بأنه سمح لفئة محدودة جداً منهم في الوصول الى المسجد الأقصى حتى في ظل الجو المتوتر الذي خلقه استقبالاً لقدومهم.
الاصل هو ان حرية العبادة هي حق اساسي من حقوق الانسان لا يجوز ولا يحق لاحد المساس به.
واذا سلمنا بهذا المبدأ، فإن من حق كل فلسطيني في الضفة والقطاع ان يصل بحرية الى القدس ويؤدي شعائره الدينية فيها مسيحياً كان ام مسلماً.
اما ان يقوم الاحتلال بتنصيب نفسه وليا على المسلمين ويمنع الاغلبية الساحقة منهم من الوصول الى المسجد فهذا امر فيه خرق فاضح لحق اساسي من حقوق الانسان.
لقد اعلنت مصادر الحكم العسكري الاسرائيلي بأنها ستسمح للرجال فوق سن الخمسين والنساء فوق سن الخامسة والاربعين بالدخول الى القدس يوم الجمعة فقط بدون تصريح، ونتساءل: ماذا بشأن الرجال دون الخمسين والنساء دون الخامسة والاربعين الذين يشكلون الاغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني؟ وماذا بشأن بقية ايام الاسبوع»؟
السماح للمسلمين بالوصول الى الاقصى ليس صدقة او منّة عليهم وانما هو حق من حقوقهم، ومن المؤكد ان ازالة حواجز الاحتلال وبواباته والسماح للمسلمين من كل الفئات والاعمار وعلى مدى ايام الاسبوع الوصول الى المسجد الاقصى والصلاة فيه هو الامر الطبيعي واي شيء خلاف ذلك فهو شيء مخالف للطبيعة والحق والمنطق.
ان على السلطات الاسرائيلية التي تزعم بحرية ممارسة الشعائر الدينية ان تكف عن الاعتداء على الاماكن المقدسة للديانات الاخرى كما يجري اليوم في مقبرة مأمن الله بالقدس وفي المسجد الاقصى، وان ترفع يدها عن هذه المقدسات وان تتيح للمسلمين ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ومثل هذا الامر يتطلب ايضاً اسقاط الجدار وانهاء الاحتلال لان مثل هذه الامور هي وحدها التي تفتح الطريق امام تحقيق السلام العادل والشامل، لا المضي في ممارسة الغطرسة والقهر ونهب الاراضي والاعتداء على المقدسات واستغلال الضعف السياسي للجانب الفلسطيني لفرض التسويات عليه والتي لن تستطيع الصمود امام اصرار شعبنا على حقوقه العادلة، تماماً كما سقطت اتفاقية السلام التي فرضت في حينه على لبنان.