لغز "زوتشه"!

الكاتب: حسن البطل

رايه نيوز: عبثاً، احاول ان اتذكر "مبادئ زوتشه" الكورية على أنغام "مبادئ يوليو" المصرية، ربما لأنها ستة هنا وخمسة هناك.. غير انني وسواي نعرف كيف بدأ "البكباشي" جمال عبد الناصر.. وكيف انتهت الناصرية.
على ما يبدو فإن الزوتشية هي الماركسية اللينينية وفق نموذج كوري، كما "الماوية" هي النموذج الصيني لها. يروي ماوتسي تونغ ماذا علمته ثورته الاولى العمالية الفاشلة، فقد عاد الى قريته، ليجد ان الفلاحين البائسين الجياع سلخوا لحاء الاشجار الى علو قامة الانسان.. وعلكوها طازجة، وشربوا ماء غليها. قال، آنذاك: ان وقود الثورة موجود لدى الفلاحين ومفقود لدى وقادي القطارات في مدينة شنغهاي.
لكن من هو "زوتشه" الذي كان "الزعيم المحبوب" كيم ايل سونغ (ثم نجله كيم جونغ ايل) يذكره في كل خطاباته امام حزبه وشعبه؟ هل هو ثائر ام فيلسوف.. ام مخترع كوري لاحدى تقنيات قتال الايدي الآسيوية؟.. ام كونفوشيوس كوري؟.
مما اتذكره من "مبادئ زوتشه" الخمسة مبدأ "الاعتماد على الذات". هذا يختلف عن تفسير لينين البسيط للشيوعية، الذي هو "النظرية الماركسية + كهربة الاتحاد السوفياتي".. او الشيوعية والتكنولوجيا الرأسمالية.
كان عبد الناصر يفسر بعض "مبادئ يوليو" بأن الاعتماد على الذات هو ان تنتج مصر ابرة الخياطة وماكينة الخياطة. يبدو ان "الزوتشية" تعني ابرة الخياطة والصاروخ النووي في كوريا الشمالية، واما في كوريا الجنوبية فلعلها تعني اطارات السيارات ثم السيارات ذاتها.. اي وفق منهج المدرسة اليابانية في النهضة الاقتصادية.
في الحقيقة، لا يمكن فهم اليابان المعاصرة دون فهم ما يسمى هناك "عصر الانوار" (الميجي)، ولم افهم ماذا تعني "الميجي" قبل ان اقرأ سيرة منظرها "فوكوزاوا يوكيتشي"، ومختصرها طلاق كامل لعقلية "الساموراي" كطبقة ومحاربين ابطال. والاندغام الكامل في الحضارة الغربية.
حتى عصر "الميجي"، بعد هزائم اليابان البحرية امام "الارمادا" البحرية الغربية منتصف القرن الثامن عشر، كانت الصين هي المهد الروحي - الديني واللغوي والحضاري لليابان.
الياباني الذي كان يجهل الفلسفة الصينية القديمة يعد جاهلاً، والذي يجهل اللغة الصينية يعد امياً. في البدء، تطلع اليابانيون الى هولندا، لأنها كانت امة بحرية عظيمة آنذاك، وصار التنويريون اليابانيون يقدسون الابجدية الهولندية، والارقام العربية (الافرنجية)، ويحاولون فك طلاسم "النواظير" البحرية الهولندية، وتقليد تقنية بناء السفن الهولندية.. وفي النهاية، تحول الاعجاب الى التكنولوجيا الاميركية، وبخاصة بعد ان صار الشاطئ الآخر للمحيط الهادي شاطئاً اميركياً، او بحيرة هائلة تحت النفوذ الاميركي.
تركت الحروب الآسيوية - الاميركية (في الصين، فيتنام. وكوريا) وضعاً بلقانياً في شرق آسيوي يعاني من ناحية التمزق القومي: كوريتان. فيتنامان.. وصينان. امام هذا القوس البري الآسيوي القومي الشيوعي، أقامت اميركا قوساً بحرياً قوامه: اليابان، فرموزا، الفلبين، واستراليا.. ولاحقاً اندونيسيا.
لكن، قبل ذلك، هيمنت البحرية اليابانية على ساحل آسيا الشرقي، قبل ان يضرب الأميرال "ياما موتو" ضربته في ميناء بيرل هاربر.. فاندلعت حرب لم يحسمها غير قنبلتي هيروشيما وناغازاكي. الفيتناميون الشماليون حسموها بالكلاشينكوف، ووحدوا بلادهم. وساعدهم في ذلك "معسكر اشتراكي" نووي.
جبهة المعسكر الاشتراكي التي امتدت من هافانا (على بعد 90 ميلاً بحرياً من مدينة ميامي الاميركية) الى هانوي، انحسرت، وبقيت هناك "ثكنات" ايديولوجية ماركسية معزولة في كوبا وكوريا.. ولاحقاً في ايران الاصولية الاسلامية.
اميركا لا تحفل بكوبا، وكاسترو مثل سمكة صغيرة وغريبة في "أكواريوم" غير ان كوريا الشيوعية وايران الاسلامية مسألة مختلفة. السكر الكوبي لا يقوم بتخصيب اليورانيوم، لكن ايران تقوم باخصاب اليورانيوم بأيديولوجيا اصولية وبالنفط، وكوريا تقوم باخصابها بمبادئ "زوتشه" وبأحلام توحيد كوريا الجنوبية بكوريا الشمالية.
الخبز أو الحرية؟ الزبدة او المدافع؟ سيارات كورية جنوبية او صواريخ نووية كورية شمالية.. الوحدة القومية بالقوة ام الوحدة القومية عن طريق الزبدة للجميع؟
بعد "فيتنام واحدة" ارتاح العالم.. وسيرتاح اكثر بعد "صين واحدة".. وأما كوريا واحدة فتحتاج الى صفقة كبيرة.. حتى يرتاح السيد "زوتشه"!