كيف ننهي معا حوادث الدهس!
الكاتب: تحسين يقين
رايه نيوز: وددت في اليوم التالي لحادث الدهس على طريق بير زيت- رام الله أن أرى قائد الشرطة اللواء الشاب حازم عطا الله وزملاءه يتفحصون مكان الحادث، وصولا إلى حلقة دراسة وبحث لضباط الشرطة، لتبادل الرأي والمشورة لتحقيق هدف تجنب الحوادث!
حين تتكرر حوادث السير، والدهس على شارع معيّن، فإن ذلك يعني في المقام الأول مسؤولية الشرطة، ثم المجالس المحلية، أما السواقون الذين لا يأخذون عظة وعبرة من أخطاء الآخرين، فيرتكبون حوادث دهس تزهق فيها أرواح بريئة؛ فإنه ينبغي محاسبتهم، وحتى ولو تم التسوية من خلال الصلح العشائري، فلا يجب أن يسقط الحق العام!
لماذا؟
إن هذه الحوادث تقترب لتكون اعتداءات، لا أخطاء صغيرة، ولما كان هناك أطفال آخرون يمرون على الشوارع، فإنهم معرضون لحوادث الدهس، وحتى نخفف ونقضي على حوادث الدهس لا بدّ من تغليظ العقوبة حتى تكون رادعة لكل سائق لا يراعي قوانين السير، ولا يراعي أبسط قواعد الإنسانية!
قبل أسبوعين تعرض الطفل احمد ناجح صالح يوسف من سكان كوبر لحادث دهس سطا على حياته، في قرية ابو قش على الشارع الرئيسي رام الله - بيرزيت، وهو ذاته الذي غيّب أطفالا آخرين من قبل!
حادث دهس سطا على عمر الطفل، فأقف عداد العمر عند الرقم 13، غير مانح الفرصة له كي يحيا مزيدا من الفصول، كي يكبر ويثمر شابا ورجلا ومواطنا صالحا يفرح به أهله وذووه!
لرحيل الطفل أحمد الكوبري في هذا الحادث يثير تذكاراتنا جميعا حول الحوادث المشابهة، لعلنا نقول، هل كان بالإمكان تجنب الحوادث!؟
لست خبير سير، لكنني أزعم أن هناك دوما مجالا لتجنب معظم حوادث السير، والتي وفقا لتقارير شرطية في مختلف البلاد، تعود إلى السرعة..
والآن، فإن المسؤولية تقتضي أن نرتقي جميعا لخلق قيادة السيارات، يجنبنا من الأحزان والخسائر، فالشوارع نعرفها، ونعرف الطبيعة السكانية، وقرب تجمعات البشر وحركتهم على الشوارع خصوصا الأطفال، فليس هذا اكتشافا، فلماذا يصرّ الكثيرون على السرعة؟ لماذا وكل المسافات عندنا قليلة؟
هل قائد السيارة قادم من المريخ لا يعرف طبيعة شوارعنا؟ إذن لماذا السرعة غير المبررة، والتي ليس هذا الشارع مكانها وليس هذا الوقت من اليوم زمانها!
تسير على الشوارع وترى في كل حين متجاوز أو محاول للتجاوز، يودّ أحدهم أن يتمتم شاتما السائق الذي أمامه، وهو يبصر أن هناك سيارات تسير ببطء أمام من قبله، فلماذا يزعجنا بزاموره محملنا مسؤولية التأخير!
ما الذي يمكن أن تقوم به الشرطة؟
المسرعون ينتمون إلى أعمار مختلفة، ومهن مختلفة، ولعل قيادة الشرطة تعمل إحصائية عن حوادث السير التي تحدث بسبب السرعة الزائدة عن الحدّ، ثم تبحث عن أسباب السرعة، بمقابلة من حصلت الحوادث معهم وبسببهم، وبذا يمكن أن نحصل على اتجاهات المسرعين في دوافع السرعة، بعد ذلك يمكن عمل ندوة وعدة أشكال إعلامية يعلّق من خلالها خبراء ومتخصصون على النتائج، حيث من المتوقع أن تكون معظم الأسباب غير مقنعة ولا مبررة لسرعة تخطف أعمار الناس عن الطرقات!
أمر آخر ضروري، وهو تفعيل تحرير مخالفات السير، وضمان تواجد شرطة السير في التجمعات، لأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، خصوصا أن هناك من السائقين من لا يلتزم بالقوانين إلا بوجود الشرطة.
ولا بدّ من التعامل مع هذا الأمر بجدية، ولا يجوز المسامحة، حتى يتعلم المسرع أن هناك غرامة للسرعة، فله أن يسرع لكن ليتوقع ضريبة ذلك من جيبه!
يمكن للشرطة أن تعمل أبحاثا حول الشوارع والطرقات، وتركز فيها العمل على الشوارع التي تتكرر فيها الحوادث، بحيث تقوم وهي الجهة الخبيرة، بدراسة لكل حالة، من حيث مقطع الشارع ووصفه وقربه من التجمعات، بحيث تضع ما يلزم من اقتراحات للعلاج، ثم تختبر الاقتراحات وصولا إلى أكثر العلاجات فاعلية.
ولا مانع من تعليق صور الحوادث وصور المتوفين والجرحى على هذه المقاطع، لتكون مذكرة لسائقي السيارات بعدم السرعة!
يعني من الضروري مثلا تعليق صورة الطفل الكوبري أحمد ناجح يوسف في شارع أبو قش- رام الله، ذلك الطفل البريء الذي سقط نتيجة حادث دهس على الشارع..حتى نحافظ على أطفال آخرين يمرون على دروب شبيهة لدرب أحمد، وحتى يعودوا إلى بيوتهم سالمين، وحتى نقصد فعلا أن يكون أحمد آخر الضحايا..
على الشرطة أن توزع باستمرار نشرات مكتوبة ومسموعة تتحدث في تفاصيل الحوادث، لتثقف السائقين وتعلمهم كيف يتجنوا الحوادث، ولا مانع من المشاركة مع مؤسسات المجتمع في التوعية المرورية، التي يحتاجها المواطن على الطريق، والتي يحتاجها أكثر السائق أيضا!
سأكون سعيدا أن أرى ضباط الشرطة على الطرق يراقبون سير العربات والناس، والبحث عن الوسيلة الأكثر نجاعة في الوصول للناس والسائقين، حول الالتزام بقوانين السير، ولا مانع من أن يكون هناك تواصل شخصي بين الشرطة وأصحاب العربات، ومن الضروري وصل الضباط بكمبيوتر مركزي، من خلاله يصل لملف كل سائق، حتى يكون على دراية ووعي وهو يتعامل معه، لأن ذلك سيؤثر في السائقين، الذين سيرون أن الأمر جدّ، وأن هناك عقوبات قد تحرم من قيادة المركبات لشهر أو أشهر..
لا أستطيع أن أستقصي ما يمكن للشرطة أن تقوم به، فهذا المر يحتاج لخبراء، لكنني كمواطن أشهد يوميا سوء أدب قيادة المركبات على طرقنا، من سيارات خصوصي وعمومي، وأجد أن من حقي كمواطن أن أطمئن وأنا متوجه إلى عملي..وأن نطمئن معا بشكل خاص على أطفالنا أكبادنا التي تمشي على الأرض..
حادث دهس في بلد ما أكثر جدية يشكل قضية رأي عام، يجب أن تتم محاسبة المتسببين به، ومحاسبة المسؤولين المقصرين والمتهاونين في ذلك.
أما التأمين، فيجب أن يكون حافزا للالتزام بقوانين السير لا تجاوزها واختراقها، لا الاطمئنان أن شركة التأمين ستغطي الخسائر في الأرواح والممتلكات.
وددت أن تثار دائما هذه القضية في الرأي العام، في وسائل الإعلام وفي كل الأماكن التي فيها تجمعات للمواطنين، من المدارس والجامعات إلى المساجد..
أود لو أن خطيب جمعة مرة يخصص خطبة الجمعة للحديث عن أخلاق قيادة السيارات، وأهمية الحرص على الأرواح والممتلكات، بأن يقترب من الموضوع، ومن نفسية السائق، ليدفعه كي يلتزم من داخل نفسه وليس خوفا من العقوبات والغرامات، وأن يعتبر ذلك من تقوى الله ومحبته.
وددت أن أرى شوارعنا نظيفة ليس من الأذى والمهملات والنفايات فقط، بل أن أراها نظيفة من أذى سلوك العديد من السائقين، وأن أشهد علاقات الاحترام، والحرص على المارين أطفالا وكبارا، وأن يكون الصبر مفتاح الفرج عنوانا يلتزم به المارون جميعا مشيا وفي العربات.
بعض الحوادث التي تكون نتيجة تهور واستهتار تقترب لتكون حوادث قتل، او شروع به، لذا ينبغي الانتباه لذلك، حتى لا يستسهل هؤلاء الأمر، ويظنون أن من السهولة الحل على فنجان قهوة.
لربما نبدع إن فكرنا، ولربما نحدث تغييرا لو فكرنا، لكننا لن نلتزم جميعا إلا إذا تمت محاسبتنا:
محاسبة السائق..
ومحاسبة الشرطة
ومحاسبة مرجعية الشرطة..
ومحاسبة الرأي العام نفسه الذي يستفيض في أمور يشبعها نقاشا مقصرا في الأولويات..
وأهم أنواع المحاسبة هو محاسبة النفس!
في التراث ما يذكرنا بالمسؤوليات؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لو أن بغلة وقعت في أرض العراق، لحاسبني الله عليها، لم لم تسو الطريق لها يا عمر!
الطريق إذن ليس تعبيدها فقط، بل السلامة عليها!
ولا بدّ من ضمان السلامة عليها، كل في مجاله..
توزع مديريات الشرطة أخبارها بشكل يومي ومستمر، لتوصيل الأخبار للمواطنين، لكن هناك أمور أخرى يجب أن نفكر فيها معا: كيف نتلافى الحوادث ما أمكننا؟
ون ندرك في عمقنا أن ذلك مسؤولية المجتمع بأسره، وليس الشرطة فقط!
لعل هناك من يبدع في البحث عن شركاء للشرطة، يساهمون في التقليل من الحوادث..لعل هناك مبادرون..لعل هناك من يحاسب..يكافئ ويعاقب!
أما أحمد، فطير في سماء كوبر، روحه تذكرنا بمسؤولياتنا..فهلا نقوم بها من دواخلنا..فكل الأطفال أحمد..وكل الأطفال أطفالنا!