الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:00 AM
الظهر 12:35 PM
العصر 4:07 PM
المغرب 6:53 PM
العشاء 8:09 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

"بطن حمزة"

الكاتب: حسن البطل

رايه نيوز: على الشرفة الغربية أتذكر ما قاله الصوفي: "دع العالم يأتي إليّ"، وعلى الشرفة الشرقية اتذكر ما يقوله علماء التشريح: كل أهبل أو عبقري هو بعقلين.. بينهما برزخ نجاة من الجنون إلى العقل؛ ومن العقل إلى الجنون. عقل للمنطق (أيسر) وعقل للجمال والفن (أيمن).
ثمة تلة أطل عليها من الشرفة الغربية. أنا أقرأ (وأشرب القهوة) او افكر (وأمجّ السيكارة). تلك التلة الأشبه بظهر سلحفاة هائلة، اختارتها الطيور مهبطاً صباحياً لآلاف مؤلفة من الطيور الداجنة (الحمام). التلّة تلّة، والسَّفح سفح.. ولكن المقاولين والمعماريين أخذوا عن فلاّحي السُّفوح وصف سفح التلّة بـ"البطن".. وهكذا، أنا أسكن عمارة حديثة مقامة على "بطن حمزة" أقصى غرب بيتونيا.
للبشر لغة، وللطير هديل. للبشر قوة بصيرة. للطير حدة البصر (أقرأ الجريدة من مسافة 50 سم، وحدقة الطير تبصر ما أقرأ من مسافة 50م. هكذا يقول علماء البصريات).
صباحات تلو صباحات (فناجين قهوة تلو فناجين، وعلب سكائر تلو علب سكائر)، وأنا أراقب: "طار الحمام. غطّ الحمام". عشرات. مئات الحمائم تطير أو تغط.. دون أن يصطدم جناح بجناح. ما يبدو بديهة قد يبدو باعثاً على التفكير. مثلاً: هل رأى أي صياد طيراً يخرّ من عليائه.. ويسقط ميتاً، لأن قلب الطير خذله، كما يخذل قلب الإنسان صاحبه؟
من خفق جناح الطير، استعارت لغة الإنسان اسماً آخر للقلب، هو "الخافق". من طيران الطير تعلم الإنسان ميكانيكا الطيران. الطائرات قد تصطدم بالطائرات (وأحياناً تسقط بسبب دخول الطيور فتحات محركاتها). ولكن الطائرات لا تهبط، او تقلع، من على "حاملة الطائرات" كما يغط الحمام ويطير، بعشرات ومئات، من على التلّة.
ذات مرة، على شاطئ بحر لارنكا، ومن خلف زجاج مطعم على الشاطئ، نثرت خبزاً على افريز النافذة. كانت نوارس البحر تلتقط الخبز.. دون ان تصطدم بالزجاج. النورس طير، والطير ليس غبياً كالذبابة أو النحلة. الإنسان أذكى من الطير، لكن الطائرة أغبى من طير الحمام. يقولون إن الديناصور تطوّر إلى طير.
من على الشرفة الشرقية، سأُراقب فصلاً آخر: كيف انمسخ الديناصور.. إلى جرّافة "كاتربيللر" فولاذية غبية، يقودها بشري ماهر (بعقل متوسط)، وهي لا تنفك عن ثقب صخور التلة، او السفح، او البطن.
سيُقيمون عمارة هنا. سيملأون "بطن حمزة" بالعمارات. ستبحث الطيور عن مهبط أبعد لها. سيقتلعون أشجار الزيتون (قبل شهرين من قطاف ثمرها).. وسيزرعون أشجاراً أخرى (وزهوراً وداليات في الحدائق البيتية).
ينقلون الصخر من مكان، ويرصفونه في مكان آخر، ليكون شوارع على سفوح تلال أخرى، ستغزوها العمارات. بعقل ساذج وقلب ساذج، أسأل متعهد الحفريات: لماذا لا تبيعون الأشجار المقلوعة لمن يزرعها؟ قال: خُذها وازرعها.. واسقها ستة شهور.
سنولول عندما تقلع جرافاتهم زيتوناتنا لإقامة الجدار. سنصمت (ونعد نقودنا) عندما تقلع جرّافاتنا زيتوناتنا لإقامة عمارات. على السفح العتيق الذي يصبح ضاحية سكنية، سترى أكواماً هرمية من الحجارة. هنا كان الفلاحون ينطرون حقولهم البعلية.. وعلى حافات الشوارع الجديدة، سترى أكواماً عجيبة، كأنها "خراء" اسمنتي لديناصور خرافي. هذه بقايا "قناديل" الاسمنت والحصى، والكل يقتدي بالكل.. والكل يحتج على الكل.
يعرف الطير أن يُسافر إلى تلال أخرى، ويعرف الناس أن يسكنوا تلالاً أخرى، فهل تعرف الزيتونات شيئاً آخر سوى: هنا ولدت.. وهنا تموت.
üüü
سِتُّ سَخْلات شاميّات كأنهن "بنات حرائر" يرعاهن، في نجعة صباحية قصيرة، موظّف دولة متقاعد، لعله يعشق حليب النعاج ولبن النعاج و"جميد النعاج".
توّاً، عندما تعود طيور الحمام إلى أوكارها، بعد عروض الطيران الصباحية المدهشة، تليها هذه السَّخلات الشاميّات لهذا الرّاعي.. وعلى التلّة الأخرى، يُواصل الديناصور الحديدي افتراس الصخر والشجر. للطيور تلال أخرى، وللعقارب أوكار أخرى.. وللشمس قوس شروق صباحي وغروب مسائي.

 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...