المبادرة المصرية: «القسام» آخر من يعلم؟
الكاتب: رأي القدس العربي
أصدرت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أمس بياناً قالت فيه إنها لم تستشر في المبادرة المصرية كما اعتبرتها ركوعا وخنوعاً وأتبعت بيانها بإطلاقها عشرات الصواريخ على مدن حيفا وعسقلان واسدود واشكول وروحوفوت ومستوطنة «نيرعوز».
رد الفعل العنيف من كتائب القسّام على عدم استشارتها في قرار يخصّها ويخصّ الشعب الفلسطيني الذي تمثله مبرّر، فالسلطات المصرية التي كانت دائماً تتعامل مع قطّاع غزة عبر أجهزة الاستخبارات والأمن، أكثر مما تتعامل بالطرق السياسية والدبلوماسية، وعبر لقاءاتها مع ممثلي حركة حماس في القاهرة وغيرها، قرّرت فجأة أن تقفز فوق الحقائق الموضوعية على الأرض وتتعاطى مع الشأن الفلسطيني بالقفازات والمراسيم الدبلوماسية فحسب.
حركة حماس بالمقابل، وحسب خبر صغير أوردته وكالات الأنباء، قالت إنها تبحث المبادرة المصرية ولم تتخذ قراراً بعد، فاتحة الباب للدبلوماسيات المصرية والعربية والدولية للتعاطي مع أصحاب الشأن في حماس والقسام، وهو الأمر الطبيعي ما دامت إسرائيل نفسها قامت في الضفة وغزة باستهداف البنية التحتية لحماس وقياداتها وكوادرها، ولم تستهدف السلطة الفلسطينية الممثلة في رام الله وقياداتها وكوادرها.
موضوعياً، فإن استهداف إسرائيل لحماس عسكرياً، واستبعاد السلطات المصرية لها سياسياً يخدمان هدفاً استراتيجياً واحداً، وهو إعادة فصل الشعب الفلسطيني وتدمير وحدته الوطنية التي عبّر اتفاق المصالحة والحكومة المنبثقة عنه، وهو استمرار لخنق حماس اقتصادياً، والذي يشترك فيه الطرفان، الإسرائيلي والمصري، الأول بطرق مثل منع المصارف من تسليم أموال موظفي الحكومة في غزة، والثاني بإغلاق معبر رفح بعد تدمير اقتصاد الأنفاق الذي كان رئة غزة التي تتنفس منها.
اشتغلت إسرائيل على مدى عقود على هذه الاستراتيجية، ولا يمكن اعتبار السياسة المصرية نحو حماس مستجدّة لكنها أخذت كامل بعدها بعد الانقلاب العسكري والقمع الممنهج لجماعة الإخوان المسلمين، وهي ترغب، كما تؤكد تصريحات متعددة لرئيس الجمهورية المصرية عبد الفتاح السيسي للتحوّل الى استراتيجية «عابرة للحدود» المصرية، كما قال بعد لقائه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وفي خطابه في اجتماع القمة الإفريقية وحديثه عن «المتطرفين الذين يسيطرون على المنطقة» ثم إرساله وزير خارجيته الى بغداد وإبداء التعاطف مع حكومة المالكي.
يمكن فهم المبادرة المصرية للتهدئة بين إسرائيل والفلسطينيين بهذا المعنى ضمن إطار عام تؤطره رغبة القاهرة في تخويلها دورا سياسيا وعسكريا وأمنيّا أساسيا وفاعلا فيما يسمى «مكافحة الإرهاب» الذي يتقصّد فتح النار لا على تنظيمات «القاعدة» و«داعش» و«أنصار الشريعة» فحسب وجماعات الإسلام السياسي المعتدلة ويضعها في سلّة واحدة، مما يفتح المنطقة العربية على سيناريو جهنمي ودمويّ هدفه هو تأبيد الدكتاتوريات، وجعلها مصيراً نهائياً للعرب.
المشكلة الوحيدة في هذا السيناريو هي أن الشعوب لا يمكن إخضاعها بالأحذية العسكرية، ولو كان ذلك ممكناً لاستراحت إسرائيل منذ زمن بعيد مما يسمى «القضية الفلسطينية».
الصواريخ الفلسطينية ما كانت لتصنّع لولا فكرة الجدار العازل الذي حوّل إسرائيل إلى «غيتو» كبير، وحوّل غزة والضفة الى سجنين، ومغزى الأمر هو أن الشعوب قادرة دائماً على ابتكار وسائل للمقاومة وصنع الحياة.
الصواريخ القليلة التي ألقيت من لبنان وسيناء (دون يد لأرباب الممانعة المزعومة فيهما) هي تعبير عن الغيظ الشعبي المتصاعد في المنطقة من خذلان فلسطين، وهو تفاعل مرشح للزيادة لا للنقصان.
… وهناك جانب آخر في المعادلة عبرت عنه الطائرات دون طيار وفوز فلسطيني من غزة بجائزة عالمية لتكنولوجيا المعلومات وظهور نتائج الثانوية العامة في الضفة، وكلّها تعابير عن إرادة العلم والحياة والإصرار على البقاء عند الفلسطينيين رغم حصار القريب والبعيد.