أزمة كهرباء غزة المفتعلة

الكاتب: محمد عايش
الأزمة التي اندلعت في قطاع غزة الأسبوع الماضي وتسببت بتظاهرات كبيرة كانت ظاهرياً بسبب انقطاع الكهرباء وغياب الوقود، وهو ما يعني غياب مواد أساسية واستراتيجية عن السكان، ومن الطبيعي أن يخرجوا من أجل الاحتجاج على غيابها، لكنَّ السبب الحقيقي لهذه الأزمة هو رغبة أطراف إقليمية بعينها – ومن بينها إسرائيل بطبيعة الحال- في إشعال التوتر داخل القطاع ودفع الناس للاحتجاج على حركة حماس، على اعتبار أن الحركة هي التي تتحمل مسؤولية أزمة الكهرباء والوقود في غزة.
انتهت الأزمة في غزة سريعاً وعاد التيار الكهربائي للناس بعد تدخل مباشر من دولة قطر، التي لطالما أغدقت المساعدات على الفلسطينيين وسط حالة الغياب العربي شبه الكاملة، حيث ينشغل العرب في إحراق أموالهم في حروب ونزاعات مسلحة وطائفية، بينما ينشغل آخرون في إنفاق ملايينهم على موائد القمار، فيما لا يجد الفلسطينيون إلا القليل من الدعم. أما أزمة الوقود فتتجه إلى الانفراج بعد تدخل تركيا التي تعهدت بإرسال كمية كبيرة من المشتقات النفطية، بينما تتفرج دول البترول العربية على المحاصرين في غزة دون أي تحرك يُذكر.
ما حدث الأسبوع الماضي هو أنَّ ثلاث قوى إقليمية – وربما أكثر- تواطأت معاً من أجل إحكام الخناق على المحاصرين في قطاع غزة، ودفعهم الى النزول للشارع والاحتجاج ضد حركة حماس على اعتبار أن الأزمة بسببها، وعلى أمل أن يحدث اشتباك بين مسلحي حماس والمحتجين الغاضبين، وهو ما يمكن أن يتحول من مظاهرات مطلبية الى ثورة تُطالب باسقاط حماس وإنهاء حكمها، بل إنهاء وجودها في قطاع غزة.
وما يؤكد فرضية أن ثمة تواطؤا وأنَّ انقطاع الكهرباء والوقود أزمة مفتعلة لتثوير الناس في غزة، هو أنَّ النظام في مصر قطع خط إمداد القطاع من الكهرباء في اليوم التالي للتظاهرات، التي حدثت خلالها اشتباكات بالفعل، وكادت أن تتطور الى اقتتال بين الأهالي والمسلحين، ما يعني أنَّ النظام في مصر ضالع في محاولة التأزيم، ووجد أن حالة الغضب الشعبية الغزاوية تمثل فرصة مواتية لمزيد من التثوير والتحريض والتهييج، وأن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بمزيد من إحكام الحصار وتضييق الخناق، وقطع الكهرباء عمن تبقى من الناس، إضافة الى أن اسرائيل أيضاً ضالعة بطبيعة الحال في هذه الأزمة المفتعلة.
كان من الممكن أن تتدهور الأوضاع في غزة – لا سمح الله- لو توسَّعت الاشتباكات، وكان يُمكن أن يزداد الغزيُّون اختناقاً وغضباً لو لم تتدخل كل من قطر وتركيا، ولذلك فإن المطلوب في أي حالة مشابهة مستقبلاً ألا يتصدى مسلحو حركة حماس لمتظاهرين خرجوا الى الشارع يحتجون على الحصار، وينددون بتداعيات وآثار هذا الحصار، ويريدون من العالم أن يسمع صوتهم.
إسرائيل ومعها حلفاؤها في المنطقة فشلوا في إسقاط حركة حماس بالحرب والقتال، وتل أبيب خاضت ثلاث حروب ضد القطاع، إضافة الى حصار مستمر منذ 10 سنوات، ومع ذلك فشلت في تحقيق أهدافها في القطاع، ويبدو الآن أن افتعال أزمات داخلية تنتهي بثورة شعبية داخلية واقتتال هو الأمل الوحيد لدى الاسرائيليين وحلفائهم في المنطقة من أجل إسقاط الحركة وإنهاء حكمها في غزة.
التغيير في غزة وغيرها أمر مشروع، ومن حق الناس أن يقرروا مصيرهم ولا غبار على ذلك، لكنَّ إحكام الحصار على الناس وخنقهم من أجل دفع الناس للاحتجاج وتأجيج الأزمات، فهذا ليس سوى مؤامرة ترمي إلى فرض أجندات خارجية على الفلسطينيين، ومحاولة التدخل في شؤونهم. التغيير يجب أن يتم بالوسائل المشروعة وبالإرادة الحرة للشعب الفلسطيني ودون أي تدخل من الخارج.