الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:29 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:44 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

ستّ الفُل

جنين - رايــة:

مجدوليـن زكارنـة -

يتسلل صوت سعاد حسني بكل رقتها ودلالها الى مسامعك عند دخولك الى بيت "ام الحكم" ويناديك: "ياورد على فل وياسمين الله عليك ياتمر حنة .. قرب هنا دا عندنا خد وردة يابيه خدي فلة ياهانم".

ست الكل كما يعتبرها اهل السيباط وست الفل كما اسميناها هي" ام الحكم " تقطن وسط البلدة القديمة بمدينة جنين التي تعرف باسم "السيباط".

العجوز التسعينية كانت قد أقعدتها إصابة بالحوض فحرمتها من لذة الاعتناء بحديقتها التي تشهد كل فلة فيها على ان هذه المرأة لم تكن اما لأبنائها فحسب انما كانت اما للورود التي تسلب الألباب.

اعجابنا بزهورها وتصريحنا بذلك منحنا أفضلية لدى الخالة أم حكم لسماع شكواها من ولديها اللذين لا يشاركانها على ما يبدو حبها للفل: "كنت ازرع الفل دائما ويكون غير شكل.. انظف واقطف كانت ساحة بيتي"فِرجة" قلبك ينبسط لما تدخلي بيتي أما هس ياحسرة علي".



نبشنا في اعماق ذاكرة "ست الفل" ووجدنا ان يوم زفافها حين كان عمرها 15 عاما حاضرا بذاكرتها رغم نسيانها لمعظم الأحداث اليومية الكثيرة التي مرت بها طيلة سنوات عمرها التي قضتها في السيباط، تستذكر وهي تجلس متكئة على جهاز يساعدها على المشي قائلة: "ألبسوني الفستان الابيض ثم وضعوا الطرحة والاكليل على راسي.. لم يبق ضابط عربي او انجليزي الا ورقص في زفافنا" كانت تقولها والخجل باديا على وجهها رغم الشيب الذي كسا كل شعرةٍ فيها.

والسيباط كما تقول أم الحكم كلمة فارسية تطلق على البيوت القديمة التي تتخذ اشكال الاقواس والسقائف تم بناؤها أثناء الحقبة العثمانية في فلسطين قبل مئات السنوات.

وعلى بعد خطوات فقط من منزل ست الفل التقينا أبو زياد السلفيتي وقد نال الحر منه فعبس وجهه بينما ينشغل بتنجيد لحاف صوفي جديد.. وفي محاولة منا لكسر جليد اللحظة، بادرناه بالسؤال حول استمراره بمهن انقرضت منذ سنوات، لكن محاولتنا هذه أتت بغير ما نوينا فاستفزه السؤال وزاد حنقة وارتفعت نبرة صوته "الزبائن تأتيني من داخل الخط الاخضر وانا معروف بمهنتي، اولادي رفضوا العمل فيها أو حتى تعلمها.. قديما كنت انجز ثلاثة و اربع لحف اما الان فانجز اثنان كل اسبوع.. لا اريد ان انقل متجري الى السوق الجديد في المدينة سأبقى هنا" قال ذلك فيما لم تفك عقدة حاجبيه في وجوهنا.



وعلى الرغم من ان ديالا ذات الـ10 سنوات لاتملك غرفة خاصة لها في منزلها بالسيباط الا انها سعيدة جدا بسكنها هنا قابلناها مصادفة اثناء عودتها من المدرسة وقالت:"بيتنا قديم وجميل سأبقى هنا لا اريد المغادرة حتى عندما أكبر".



عنفوان الشباب لم يكن دافعا للمغادرة ايضا، قطعنا طريق الشاب أحمد نبهان 19 عاما  وسألناه عن شعوره ازاء هذا المكان فقال:"كانت طفولتي جميلة بيتنا قديم ولم نرممه ولكني سأبقى هنا، اجمل الايام كانت هنا وستبقى.. صحيح ان الاهتمام بالمكان معدوم ولكني سأبقى مع عائلتي هنا حتى لو تناسانا الجميع".

وفي سوق السيباط المشهور بكل الادوات التراثية القديمة التقينا بـ"المعاني”، نسبة لمدينة معان الأردنية التي تنحدر منها عائلتة، رجل لم تأخذ منه سنوات عمره التي جاوزت الخمسين سوى بضعة شعيرات داكنة تحولت للأبيض.كان يجلس في محل"سمانة"ورثه عن اجداده ووالده قبل أكثر من مئة عام.



سلاسل الحيوانات بأنواعها، كراسي القش القديمة والاجراس والعكازات جميعها متوفرة لدى المعاني الذي اشتكى من ضعف الحركة التجارية، جنين الحديثة لم تكن موجودة كان المشتري يقصد سوق السيباط فقط وفق المعاني الذي استطرد بالقول، "اهمال المحافظة والبلدية والمؤسسات الاهلية لترميم السوق زاد من معاناتنا، الكهرباء في السوق معدومة ليلا ونضطر الى اغلاق محالنا التجارية بعد العصر أما فصل الشتاء فحدث ولا حرج السوق برمته يغرق لعدم وجود عبّارات".

وقبل ان يدخل المعاني المدرسة حطت قدماه محل والده:" المحل بالنسبة لي "العمر والروح" حتى في ايام الجمعة آتي هنا صباحا أنظف المحل وارتشف فنجان القهوة مع جيراني الذين تربطني بهم علاقات صداقة قديمة منذ ايام والدي".

أجمع التجار الذين التقينا بهم انهم تلقوا وعودا كثيرة بسقف منطقة السوق قبل قرابة 4 سنوات الا ان شيئا منها لم يتحقق".



اما مهرجان السيباط الذي تقيمه البلدية والمحافظة لإحياء البلدة القديمة فلا يجلب نفعا للتجار في الحقيقة كما يقولون، هذه المراة التي تجلس وراء ماكينة خياطة تصلح بها حال الجيب قبل ان تصلح الملابس تقول:" لم اشارك في المهرجان فالاعلان عنه كان ضعيف والبلدية لم تضع اشارات ارشادية لتدلل على محالنا او كيفية الدخول والخروج من البلدة، الجهات الرسمية" المحافظة البلدية" لا تأبة بإحتياجاتنا ولا نرى احد منهم". وتصف المرأة السمراء منطقة السوق بانها "عدم".

ثمانون محل تجاري أضطر أصحابها لإغلاقها مرغمين نتيجة الاهمال وضعف الحركة الشرائية و لا تجد من يعيد افتتاحها و ابراز أمجادها.



البيوت والمحال التي مررنا بها يكاد جمالها ينطق، فكل زاوية فيها تتكلم عن أيد نحتتها بفن وعاشت فيها مكرمة ثم تركتها لأناس احبوها ولكن الحداثة غدرت بهم بعدما كانوا الأصل والصيت .. ولكن يبقى الجمال كما هو لا يعيبه نسيان او اهمال. 

 

Loading...