الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:30 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:43 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

لا تشجعوا المكسيك

الكاتب: عبد الغني سلامة

كانت المكسيك دولة جميلة، وعلى موعد مع الإزدهار والحرية، وفيها الكثير من الفرص الواعدة؛ حتى أنها استضافت مونديال العام 1986.. لكنها مؤخرا أخذت بالتراجع والإنكفاء والتقهقر، وارتمت في حضن جارتها اللدود، وسلمتها مفاتيحها كلها، ولم تعد أكثر من وكيل للأمريكان، وسوق كبيرة لبضائعهم، وشرطتها لا تفعل شيء سوى حماية الحدود الأمريكية من المتسللين والمهاجرين. 
بعد وفاة زعيمها الوطني الكبير، جاء من بعده رئيس جديد مختلف اسمه "بينيا نييتو"، وهذا الرئيس لديه رؤية بعيدة المدى، ويريد الخير لبلاده، لكنه شديد التوجس، ويكره معارضيه، على خلاف سابقه، الذي كان ماهرا في احتواء كل من يعارضه.. المهم أنه سلّم الكثير من صلاحياته لرئيس وزرائة "بيس فلوود"، الذي كان مديرا كبيرا في صندوق النقد الدولي.. ولم يكن منتميا للحزب الثوري الدستوري، الذي قاد حرب التحرير، وانتزع استقلال البلاد.. 
أول ما فعله الرئيس الجديد، تكنيس الجيش والأجهزة الأمنية من مخلفات العهد الثوري السابق، فأحال جميع كبار الضباط إلى التقاعد، واستبدلهم بضباط جدد، ومنحهم امتيازات كبيرة ليضمن ولاءهم الشخصي.. ثم جند آلاف الشبان الصغار جنودا وعساكر وشرطة، ضمن شروط معينة، أهمها ضعف التحصيل العلمي، والقوة البدنية، وبعد ذلك، أرسلهم للولايات المتحدة، ليجري تدريبهم بإشراف مباشر من الجنرال "سيتون"، الذي عمل بكل إخلاص على تغيير عقيدتهم القتالية الثورية، لتصبح مهتهم الرئيسة حفظ النظام، ومكافحة وقمع أي حركة تمرد أو احتجاج شعبي..
ولأن البلاد كانت تعاني الفقر والبطالة، سارع الشبان للإلتحاق بالمؤسسات الأمنية، منهم من تطوع لخدمة بلده، ظانا أنه سيخدم شعبه، ومنهم من التحق بالأمن لأسباب شخصية، تتعلق بطبيعة تنشأته، خاصة أولئك الذين طالما أحسوا بالمهانة في فترة الاحتلال الأمريكي، وقد عجزوا عن المواجهة المباشرة مع عدوهم المركزي، وتشربوا الهزيمة، فمالوا إلى محاكاة قامعهم الذي سحق إنسانيتهم، حتى صاروا أسوأ منه، ومستعدون لممارسة نفس الظلم الذي شربوه على أبناء شعبهم، ولذلك بدؤوا بتفريغ شحنات الكبت والقهر والخوف المخزونة في دواخلهم وتوجيهها ضد أبناء مجتمعهم.
ما ساعد في الوصول لهذه النتيجة سياسة النظام المكسيكي في انتقاء الجنود والسجانين، التي تعتمد على توظيف الأمييّن والجهلة، الذين يسهل تعبئتهم بالحقد والتسلط، وتمرير سياسات النظام دون تردد أو تساؤل.
وهؤلاء في الأساس نتاج تربية موتورة قمعية تسلطية منذ أيام الاحتلال الأمريكي، بدأت في البيت والمدرسة وانتهت بالنظام السياسي، ومع ممارستهم لمهامهم الأمنية وتمثلهم لطبيعة دورها، اكتسبوا صفات إضافية من القسوة والسادية والكره للآخرين، ولأنهم في الغالب قد تربوا إلى جانب خدمة السلطة والتملق لها، تربوا أيضاً على معاداة المجتمع والنظر إليه كطرف مضاد، وعلى أنه السبب في فشلهم ومشاكلهم.
وهذا الأمر ينسحب أيضا على كبار الضباط ورؤساء الأجهزة، فهُم وبسبب ظروف تنشئتهم يكرهون الغير، ويحقدون على من هو أفضل منهم، ويكرهون القراءة، يحتقرون المرأة، لا يحبون النبتة الخضراء، يحسدون الإنسان إذا ضحك، ويمقتون أي حوار يجري بين أناس متفاهمين، يُسـتَفزون إذا نظر أحد إليهم.. فهم في الآخر أبناء هذا المجتمع المقموع، ونتاجاً عرضيا له، وإفرازاً من إفرازاته السلبية.
قبل فترة وجيزة، انطلقت مظاهرة شعبية في العاصمة الإدارية مكسيكو ستي، والتقت عند دوار الإضاءة، وقد سارع مستشاروا الرئيس باتهامها بتلقي أموال من جهات خارجية، وأن المنظمات التي دعت إليها لها أجندات مشبوهة.. حينها تدفق مئات الجنود، وقمعوا المتظاهرين بكل وحشية، وانهالوا بالضرب على كل من طالت أياديهم، وسحلوا وسجنوا من تمكنوا منه.. 
وبعد بيومين، صرح محافظ مدينة "سوبورا" شمال المكسيك، بأنه سيقمع أية مظاهرة تخرج ضد الرئيس، وهدد بأنه سيلعن أبوهم.. بعدها أخذت الأمور بالتدحرج، وصارت البلاد على شفى حفرة من الفوضى العارمة.. 
لهذه الأسباب لن أشجع المكسيك في هذا المونديال، وعلى الأكثر، حتى مواطني المكسيك أنفسهم لن يشجعوها.. فليست هذه البلاد التي طالما حلموا بها..
هذه البلاد لم تعد تشبه نفسها..
وسلامة فهمكم..

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...