الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:21 PM
العشاء 8:42 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الـكـتـابـة كـاغـتـسـال

الكاتب: زياد خداش

هو من أنظف الأماكن، وأشدها براءةً وصدقاً، سقف الصراع في الصف هو معركة كلامية ساخنة وفوضوية حول مسطرة ضائعة أو حول دور في عرافة الصف، أو نطق أسماء أمهات الطلاب إغاظة لهم أو إخراج اللسان نكاية أو كعلامة انتصار وثقة وسخرية وقوة، أو البكاء تظاهراً بمرض للعودة إلى البيت، أو التذمر بسبب الرغبة في الخروج من الصف للتبول، أو البكاء لفقدان نصف شيكل، تلك هي ملامح عوالـم مهنتي وطابعها العام.

هنا أمضي نصف نهاراتي، في قلب البساطة، حيث زملاء طيبون لا يريدون شيئاً من هذا العالـم سوى أن يعطيهم الأدنى من الحاجات، حليب للأطفال وخبز، وجريدة بائتة، الكتابة عن هذا العالـم تشبه اغتسالاً داخلياً، كلـما هب غبار الكذب والخداع حولي أركض تجاه طلابي وحكاياتهم، حيث تطابق الإحساس مع الـموقف، وبراءة الـمطالب وشرعيتها وبساطة الـمكان وصدقه رغم روتينيته وسكونيته الدموية. هذا نص اغتسالي بامتياز، أكتبه هرباً من الجو الخانق حولي وحولنا جميعاً.

سأروي لكم ما حدث لي ذات يوم في الصف الثامن الذي أدرسه الكتابة الإبداعية، في الحصة السابقة كنت قد طلبت من طلابي أن يكتبوا عن طفل غريب يحب الـمسنين، فكرة النص تحكي قصة تلـميذ في الصف الثالث يحب دائماً على خلاف زملائه الاختلاط بالرجال الـمسنين الذين يحبونه بدورهم ويحكون له الحكايات الـمسلية، فجأةً اكتشف التلـميذ أنه كلـما عاد من لقاء مع مسن في دار الـمسنين إلى البيت وجد في دفتر الرسم قطعة نقود ورقية، في البداية ظن التلـميذ أن أباه الـمسافر يرسل إليه النقود من البلاد البعيدة، لكنه في النهاية اقتنع بأن الله يكافئه على اهتمامه بالـمسنين الذين لا يزورهم أحد.

أخبر التلـميذ صديقه الذي لـم يكن يحب الـمسنين، فزار صديقه دار الـمسنين وتحدث إليهم ولاطفهم، وحين عاد إلى البيت وجد في دفتر رسمه نقوداً، فطار من الفرح، وقررا أن لا يفشيا هذا السر لأحد، لكنهما في النهاية قررا أن يخبرا كل التلاميذ في الصف الذين ركضوا باتجاه دار الـمسنين ووجدوا نقوداً كثيرة في دفاتر رسمهم.

كتب طلابي نصوصاً رائعة عن هذا التلـميذ تباينت مساراتها ونهاياتها ولغتها كل حسب قدراته وتفكيره وموقفه، واليوم أثناء حصة الكتابة الإبداعية وبعد أن تركت الصف لدقائق لأحضر غرضاً ما، فوجئت بأربع أوراق نقدية من فئة الـمئة شيكل مدسوسة في صفحات دفتر تحضيري، وحين أمسكت الأوراق النقدية بيدي، ابتسم الطلاب، ففهمت بسرعة أنهم يحاولون أن يساعدوني في الـمحن الرهيبة الناجمة عن قلة الرواتب، تأثرت جداً من هذا الـموقف، لكني لـم أشعر الطلاب أني فهمت الـمغزى، وسألتهم، مدعياً الحيرة والاستغراب: لـمن هذه النقود؟ ومن وضعها هنا؟ لـم يجب أحد، وحين لاحظوا أني أكاد أغضب، قالوا لي: أستاذ أنت البارحة كنت تجلس وتتحدث بحميمية عالية كما طلبت منا مع رجلين مسنين في مقهى شعبي برام الله القريبة، أليس كذلك؟ أجبتهم بلى، أضافوا: لـماذا لا تريد أن تصدق أن الله هو الذي وضع لك هذه النقود مكافأةً لك على لطفك مع الـمسنين؟؟ لـماذا صدقت نصوصنا ولـم تصدق نصك؟ لـم أستطع أن أجيب بكلـمة، خرجت من الصف مبللاً بالدموع الداخلية، رأيت نفسي أحكي للـمدير القصة، تأثر الـمدير والـمعلـمون، طرحت على الـمدير فكرة تقاسم الـمبلغ مع الـمدرسين فرحب بالفكرة. هذا هو ثرائي، مسكني الداخلي، زمني، لا أريد أن أصحو منه، فخارجه دناءة ورخص وتجارة و كذب كذب كذب.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...