"التيك توك" جندينا المجهول وصانع التأثير

الكاتب: محمد عطاالله التميمي
سمعت كثيراً عن تطبيق التيك توك الذي بات مقصد أجيال ما بعد الفيس بوك واليوتيوب والانستغرام، هذا التطبيق الحديث التأسيس والذي طورته الصين ليجتاح في غضون عامين معظم أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة التي بات فيها رفيقاً للأجهزة الذكية لأكثر من نصف الأميركيين بشكل أثار مخاوف الرئيس الاميركي السابق ترامب، الذي اعتبرها غزوا صينيا جديداً لعقول الأميركيين.
ميزة هذا التطبيق أنه يمنحك إمكانية نشر المقاطع القصيرة وبطريقة مبسطة بما يمكنك من دعم فكرة او وجهة نظر أو الترويج لسلعة أو خدمة معينة، في إطار حالة تفاعلية سريعة يتخللها الإبداع في نسج الأفكار وتناقلها، على شاكلة مكتبة من الفيديو التي تتدافع فيها الأفكار والأمم والثقافات وطرائق التفكير، ومنبراً جديداً لإدارة الحملات الإعلامية الجماهيرية.
منذ عدة أشهر قمت بتحميل التطبيق لفترة قصيرة ثم قمت بحذفه، لم أجد فيه شيئا مفيداً، ربما لأنني من جيل متيم بكتابة النصوص الطويلة على الفيس بوك، ومشاهدة الأفلام الوثائقية على اليوتيوب، والتواصل المحدود والشخصي جداً على الواتس اب، لكن يبدو أنني كنت مخطئاً!.
في مطلع الشهر الجاري تصاعد التوتر في القدس، وتكالب المستوطنون المتطرفون وبدعم من حكومة الاحتلال على أهالي الشيخ جراح سعياً لتهجيرهم والاستيلاء على بيوتهم، انتفض المقدسيون وهب فلسطينيو الداخل دعماً للمقدسيين مما أشعل نيران ثورة شعبية جديدة كان التيك توك أحد أهم الأدوات للتعبير عنها، على هذا التطبيق أبدع شباب وصبايا القدس وفلسطين بشكل عام في نشر روايتنا وإبراز الصورة القذرة للاحتلال والتي حاول لعقود طويلة اخفائها.
تفاعلت الاحداث ميدانيا ودخلت غزة على الخط، ثم بدأ العدوان الغاشم على القطاع، عدوان دموي إلى أبعد الحدود، واصل شبابنا عملهم على هذا التطبيق وغيره، فأطلقوا الهاشتاقات التي اخترقت الحدود والمسافات وجابت أنحاء الدنيا، فعلى سبيل المثال، تصدر وسم "#Free_palestine" سجل المشاهدات العالمي، حيث أعلنت شركة تيك توك وبشكل رسمي أن هذا الوسم وصل إلى أكثر من 55% من سكان العالم، وهذا إنجاز فلسطيني غير مسبوق وبجهود عفوية من فتيان وفتيات فلسطين وداعميها حول العالم.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد وصلت حدود التأثير الى المؤثرين من النجوم والفنانين والرياضيين حول العالم، ولك أن تتخيل حجم التأثير الذي يتمتع به نجم مسلسل Game of thrones او نجمة مسلسل La Casa de Papel لدى الملايين من المتابعين حول العالم، والأمر كذلك ينطبق على لاعب كرة القدم الفرنسي بول بوجبا والنجم الجزائري رياض محرز وعدد كبير من رجال السياسة والدين والاقتصاد ورجال وسيدات الأعمال الى غير ذلك ممن تعاطفوا مع شعبنا وكانوا جزء من وسوم التضامن مع فلسطين وغزة والشيخ جراح.
على الجانب الآخر يبدو أن إسرائيل الرسمية أدركت أهمية هذه الادوات الجديدة في التأثير على العالم، فسارعت للانخراط في العمل فيها، حيث من الملاحظ النشاط الزائد لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وزوجته على تطبيق تيك توك، وكذلك الحال مع افيخاي ادرعي الذي ينشط باللغة العربية، والأمر نفسه مع عدد من الساسة وقادة الجيش والمغنين وغيرهم في اسرائيل.
بالمحصلة النهائية، يبدو أنه سيكون لهذا التطبيق وشبيهاته من أدوات الحداثة والتكنولوجيا شأن كبير في "تشكيل الوعي" و "بناء المفاهيم" و "التأثير على الرأي العام" والأهم من ذلك "صناعة التغيير" في شتى أنحاء العالم، وعليه فلا يجب أن يبقى الأمر محصوراً بالعمل العفوي من فتياننا وفتياتنا، علينا أن نخوض هذه المعركة بشكل ممنهج لنوظف هذه الأدوات ونسخرها لكشف زيف ادعاءات الاحتلال وتشكيل وعي جديد في العالم يكون له اليد الطولى في تغيير سياسات الدول والحكومات تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.