الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:40 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

لغسّان؛ للجمع في صيغة المفرد

الكاتب: حسن البطل

له حالات الماء.. وأكثر من حالاته الثلاث: الغازية، السائلة.. والصلبة. هو، نفسه، غسّان كنفاني ثالث أركان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. الركنان الآخران: وديع حدّاد، جورج حبش.
الجبهة الشعبية ذاتها هي الكُويكب الذي تمخّضت عنه سحابة التكوين المسمّاة حركة القوميّين العرب.
بالإذن من أدونيس «المفرد بصيغة الجمع»، أو بالإذن من غسّان.. الذي هو، أيضاً، «جمع بصيغة المفرد».. لأن له حالات الماء: الصحافي. الأديب.. والفنّان، الفلسطيني، العربي.. والأممي، الزوج الوفيّ، العاشق الوَلهان.. والرّفيق للرّفاق.
يقول الأطبّاء: إنّ القلب لم يعد مُعجزةً ثانية، وإنّ العقل قد لا يظل مُعجزة أُولى.. ولكن الكبد، حيث تجري ثلاثة آلاف عملية كيماوية، قد يبقى معجزةً ثالثة.
كان يمشي، وئيداً، إلى موته بانفطار في كبده (النشاء سُكّر، والسُكّر طاقة)، ولكنهم اختطفوه إلى موته بانفجار جعل هذه «الآلة الإنسانية» الفريدة.. أشلاء اختلطت بأشلاء ابنة شقيقته، واختلطت أشلاؤهما، بقوّة النار، بكل عناصر المادة: حديد، زجاج، وتراب.
.. والطّاقة حياة، والحياة يجب أن «تسرّ الصديق»، وقد أودعَ مسرّاته في الصحافة هو (مدرسة صحافية فلسطينية أُولى: تحريراً، عنونة.. وإخراجاً، أيضاً). ثم أودعَ مسرّاته في الأدب (روايات أُولى عن تحويل الحُلم إلى فعل، وكتابات نقدية يتصدّرها هذا المولود الأول في المكتبة العربية: «في الأدب الصهيوني»).
.. ثم أودع مسرّاته في الخط (رسم كلمة فلسطين لوحة فنّية تُضيء بالحداثة في شكلها، وفي مضمونها تستعير زخرفة الثوب الفلسطيني). لم يقصّر حتى في الرسم بين «خرابيش» و»اسكتشات» إلى لوحة «الفارس» التي تستحقّ رفع «الهاوي» إلى درجة «المتمرّس»... هل نقول، وأخيراً؟
أخيراً.. ماذا؟ غسّان مُصمِّم المُلصق، أو مُصمّم شعار الجبهة الشعبية، الأكثر قوة تشكيلية بين سائر شعارات الفصائل، الأشدّ ديناميكية.. والأقلّ ثرثرةً: مجرّد تحوير للسهم الذي يذهب حادّاً وصاخباً إلى صميم أرض البلاد.
قبل غسّان، تحدّثوا عن «التفرّغ للإبداع». بعد غسّان اشتكوا من «حمل بطّيختين بيدٍ واحدة». ولكنّه «رئيس التحرير» و»المحرِّر» و»المخرج»، ولكنّه الصحافي، والفنّان، والأديب.. ولكنّه الزوج، والرفيق والعاشق؟!.
«ولكن الحياة قصيرة» حتى لو امتلأت حياة غسّان بحالات الماء الثلاث كلها: الغازية، السائلة.. والصلبة.
لم أعرف غسّان، قط، وجهاً لوجه.. لكنّني عرفت حالات إبداعه كلها، ثم عرفت عن قرب زملاءه الذين أغلق معهم العدد الجديد من «الهدف»، وأغلق معهم يومه الطويل بأطراف نهار يومٍ جديد.
الرجل الأكثر غموضاً (وديع حدّاد) والرجل الأكثر سُفوراً وانكشافاً (غسّان كنفاني)، والرجل الأكثر عِناداً (جورج حبش).. وسيُعاني الرفاق من تعدُّدِ حالات الماء. سيُعانون من الرومانسية القومية، من الأممية، من الوطنية التي تقرب من التعصُّب الشوفيني.. وعندما يكبرون من خندقٍ إلى خندق، سيجدون أنفسهم يُقاتلون في «خندقٍ دائريّ». سنجد رُوح الجبهة الشعبية في ثنايا قراءاتهم الجديدة والمُغايرة. سنجد الحكمة ممزوجة بالطيش، وماء الواقعية لم يُدرك بعض الطحين، وخُبز التجربة يحمل نكهة الطحين والعجين.. و»الغاتوه»، أيضاً.
***
الرابعة فجر يوم صيف. بالشورت القصير. بالصندلِ المبلّل بماءِ البحر. بشعر رأس مُشوّش.. أدَّيْتُ «تحيّةً عسكريّة» للجاثم في القبر. للعبارة التي اختارها الميّت لموته: «باقٍ في حيفا».
كنّا ثلاثة: خالد درويش، سهام داود.. وأنا. بل كنّا أربعة. كانت معنا رُوح الميّت في مقبرة الشهداء - شاتيلا - بيروت: «غسّان كنفاني».
«باقٍ في حيفا». «عائد إلى حيفا».. وزائر لحيفا، كتبوا على بطاقة هويّته (الرقم الوطني): «مكوم موليديت: إسرائيل» وعلى جواز/ وثيقة السفر: «مكان الولادة: طيرة حيفا 14-7-1944».
ما الذي يشدّني إلى هذا «الغسّان» المائي - الأرضي - الهوائي؟
«أنا أكبر من إسرائيل» قال غسّان كنفاني في مؤتمر صحافي ببيروت. لعلّ هذا امتيازي الوحيد: أكبر عمراً من إسرائيل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...