نصيحة لإسرائيل: لا تعتبروا محمد بن سلمان أمرا مفروغا منه (أو في الجيب كما يقال بالعامية)
الكاتب: الياس زنانيري
ملخص: أكد ولي العهد السعودي أن المملكة وإسرائيل تقتربان من التطبيع، لكنه لن يرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته دول عربية أخرى ومنظمة التحرير الفلسطينية، وسيطالب إسرائيل بتنازلات في المقابل.
في حديثه الأسبوع الماضي في أول مقابلة متلفزة له منذ عام 2019، ظهر ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان، المعروف أيضًا باسم MBS، كزعيم لم تكن كلماته مجرد خطاب رنان بل جوهريا مبنيا ، بناءً على المعلومات والمنطق والمعطيات.
وكجزء من الجيل الجديد من القادة في العالم العربي الذين تلقوا تعليمهم في الغرب - بشكل رئيسي في الولايات المتحدة ولكن أيضًا في أوروبا - أقر الأمير بأن بلاده، التي أسسها جده الملك عبد العزيز آل سعود عام 1932، قد ارتكبت أخطاء كثيرة. وقال إنه أخذ على عاتقه منع الأخطاء المستقبلية وتحديث النظام الملكي من خلال برنامج رؤية السعودية 2030. واعترف بأن العديد من القوانين بحاجة إلى التغيير، مشيراً إلى أن بلاده تحترم سيادة القانون ولكن لا يمكن إلقاء اللوم على القاضي الذي يحكم بناءً على قوانين خاطئة.
كانت كلماته واعدة. بدا واثقا. وفعلا، فقد روج منذ بداية سيرته الرسمية للعديد من الإصلاحات الاجتماعية التي اعتبرها المجتمع السعودي من المحرمات حتى أصبح وليا للعهد في عام 2017.
محمد بن سلمان هو الحاكم الفعلي للمملكة، مع أن والده البالغ من العمر 88 عامًا، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لا يزال في حالة جيدة. ولا يريد محمد بن سلمان الانتظار حتى يصبح ملكاً لبدء إصلاحاته. يريد أن يقود السعودية إلى المنافسة مع الدول الرائدة في العالم مثل الهند والصين وروسيا وغيرها. ولمَ لا؟ ففي نهاية المطاف، يمتلك السعوديون الموارد المالية والبشرية للقيام بذلك.
كانت مسألة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل هي الجانب الأكثر أهمية في مقابلة فوكس نيوز. انتقى محمد بن سلمان كلماته بعناية. لم ينفِ ولم يؤكد أن التطبيع بات وشيكاً. وأوضح أنه إذا قامت السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن بلاده ستتوقع شيئا من إسرائيل في المقابل.
السعودية ليست الإمارات العربية المتحدة. كان الإماراتيون سعداء بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل لا شيء سوى هيبة الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام التي رعاها الرئيس دونالد ترامب.
وعلى النقيض من ذلك، تبدو المملكة العربية السعودية حذرة. ولا يمكنها أن تسمح لنفسها بأن تنخدع بإسرائيل. يعرف السعوديون مدى أهمية التطبيع بالنسبة لإسرائيل. وهم يعلمون أن الحكومة الحالية برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليست مستعدة ولا قادرة على دفع ثمن التطبيع مع السعوديين. وهذا يفسر سبب إجراء حوارات التطبيع بين الرياض وواشنطن في حين لا تشارك إسرائيل بشكل مباشر. التحدث مع الأميركيين ليس مثيرا للجدل. لكن التحدث إلى إسرائيل هو كذلك.
لقد ارتكب قادة الإمارات خطأً فادحاً عندما تبرعوا بمبادرة استراتيجية تجاه إسرائيل دون الحصول على أي شيء في المقابل. ولم يكونوا أول من فعل ذلك. من قال إن القادة يتعلمون من أخطاء الآخرين؟
لم يكن الفلسطينيون استثناءً. فقد ارتكبت منظمة التحرير الفلسطينية أول خطأ استراتيجي لها في تشرين الثاني/نوفمبر 1988، عندما منحت إسرائيل اعترافاً فعلياً بها من خلال القبول بقرارات الأمم المتحدة رقم 181 و242 و338. كان ذلك في إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي ألقاه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر. هذا التنازل التاريخي الذي قدمته منظمة التحرير الفلسطينية بقي دَينا قائما لم تسدده إسرائيل حتى يومنا هذا.
وبعد خمس سنوات، كررت منظمة التحرير الفلسطينية نفس الخطأ، عندما وقع عرفات على رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين قال فيها إن منظمة التحرير الفلسطينية "تعترف بحق إسرائيل في الوجود في حدود آمنة ومعترف بها". لكن عرفات لم يحصل على ما كان ينبغي أن يصر على الحصول عليه من إسرائيل في المقابل. كان من المفترض أن يتبادل هو ورابين رسائل الاعتراف المتبادل. لكن رابين لم يرد على رسالة عرفات بالمثل بالاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة ضمن حدود آمنة ومعترف بها. كل ما اعترف به رابين في رسالته إلى عرفات هو وضع منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها "الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني". كان ينبغي لكل من الزعيمين أن يوقع على خطاب واحد فقط، يعترف فيه كل منهما بحق الآخر في الوجود في حدود آمنة ومعترف بها. وكان من شأن مثل هذه الوثيقة أن تنقذ الفلسطينيين والإسرائيليين من ثلاثة عقود من الألم والدم والدمار.
لم تكن أي من الحكومات الإسرائيلية التي تولت السلطة منذ اغتيال رابين في عام 1995 مستعدة للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال. وكان إيهود أولمرت، الذي تولى رئاسة الوزراء بين عامي 2006 و2009، استثناءً. لقد بذل قصارى جهده. لكن تحقيقات الشرطة في اتهامات الفساد الموجهة إليه بددت أي فرصة أمامه للتوصل إلى اتفاق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وفي عام 1972، بعد أن قام الرئيس المصري أنور السادات بطرد 20 ألف مستشار عسكري سوفياتي من مصر في بادرة حسن النية تجاه الغرب ــ الولايات المتحدة في الأساس ــ توجه إلى واشنطن طالباً شيئاً في المقابل. وقال هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، إن السادات كان بإمكانه المساومة لإجبار إسرائيل على الخروج من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل هذه الخطوة. لكنه قال إن الولايات المتحدة "لا تدفع ثمن الهدايا التي تلقتها بالمجان".
لا بد أن محمد بن سلمان فكر في كل ذلك عندما سئل عن التطبيع مع إسرائيل. وقال إن البلدين يقتربان من التطبيع كل يوم. لكنه لم يحدد كم هو التطبيع قريب أو بعيد. وتبقى الحقيقة أن إسرائيل وحدها هي القادرة على تحديد هذه المسافة. وكلما طال أمد تأجيل إسرائيل اعترافها بالحق الوطني الفلسطيني في الحرية وإقامة دولة مستقلة، كلما طالت مسافة السلام مع العرب. هذه هي العملة الفلسطينية التي يتعين على إسرائيل أن تدفع بها مقابل تطبيع العلاقات مع السعودية.
أوضح محمد بن سلمان معارضته لامتلاك أسلحة نووية في المقابلة، قائلا إنه لا ينبغي استخدام أسلحة من هذا النوع. لكنه يريد أن تطور بلاده الطاقة النووية للأغراض المدنية. ولذلك، فهو لا يستطيع أن يتسامح مع استخدام إسرائيل حق النقض (الفيتو) ضد البرنامج النووي السعودي، خاصة وأن إسرائيل لم توقع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ورفضت مراراً وتكراراً السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة أي من مفاعلاتها النووية.
السعوديون يعرفون أنهم قادة العالم الإسلامي. وهم لا يملكون ترف السماح لأنفسهم بخسارة مثل هذه المكانة المهمة مقابل الموافقة الإسرائيلية فقط. وكان محمد بن سلمان صادقا في مقابلته المتلفزة على قناة فوكس. وكان يقصد ما قاله عن مستقبلٍ مختلفٍ للبلاد.
ترتكب إسرائيل خطأً كبيراً إذا اعتبرت محمد بن سلمان أمراً مفروغاً منه أو أنه في الجيب كما يقال بالعربية العامية. الرجل طموح. إنه أصغر من أن يقامر بمستقبله المهني فقط من أجل استرضاء حكومة إسرائيلية مهزوزة كالمياه العكرة.