هل تكون فلسطين بعد سوريا؟

الكاتب: بكر أبوبكر
كان مثار التساؤل لدينا حول زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة العربية هو الدور والجهد الكبير الذي قام به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيما يتعلق بسوريا واقناع الرئيس الأمريكي "ترَمب" برفع العقوبات عن سوريا، وهو ما حصل وأعلنه الرئيس الامريكي (13/5/2025م) إكرامًا لولي العهد كما قال في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، وحيث قوبل الاعلان بالتصفيق وقوفًا من ولي العهد وجميع الحضور بالمنتدى.
مثار تساؤلنا كان ليس منصبًا على الجانب السياسي الحالي مما هو معروف، من حيث أن أول زيارة لرئيس سوريا الجديد أحمد الشرع كانت للسعودية (2/2/202025م)، وحيث أعلن الشرع فعليًا انضمامه لمحور الاعتدال العربي الذي تقوده السعودية من زمن طويل، وبما يعني إسقاط إيران من جدول الأعمال السوري.
وإنما في محاولة منّا للنظر في التاريخ، فهل كان لخطوة الأمير ولي العهد تجاه سوريا عمق تاريخي؟ الى أن عثرنا على لمحات هامة تتعلق بالسياسي والمناضل (السوري) يوسف ياسين (1888-1962م) ودوره الأساسي مع الملك المؤسس عبدالعزيز حيث يُعزى له جزء من الفضل في اتفاقية الملك المؤسس مع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945 النفط مقابل دعم وحماية المملكة العربية السعودية وهي الاتفاقية التي صيغت من "العقيد ويليام أ. إيدي (الامريكي)، والوزير المفوض لدى المملكة العربية السعودية، يوسف ياسين" ووقعها الرئيس والملك.
كان يوسف ياسين "من أقرب الناس إلى الملك عبدالعزيز وألصقهم به، حتى قال خالد القرقني عنه: إنه لو كان يوسف ياسين في الصين وسألته ماذا يصنع الملك الآن؟ لنظر إلى الساعة وحوّلها إلى توقيت الرياض، وأجابك: إنه يفعل كذا أو يفكر في كذا. ولا عجب فإن يوسف ياسين ظل ملازماً للملك عبدالعزيز لا يفارقه إلا ليكون على اتصال به بكل وسيلة عاجلة من هاتف أوبرق."
يقول الكاتب "بروس ريدل" من معهد بروكنغز ( 10/2/2020) كان "روزفلت وابن سعود، كما كانا يُعرفان شعبيًا، مختلفين تمامًا. كان روزفلت في ولايته الرابعة كرئيس منتخب لأقوى دولة في العالم، وعلى أعتاب الانتصار في الحرب العالمية الثانية. ....وكان يعاني من مرض خطير ولم يتبقَّ له سوى أسابيع قليلة ليعيشها.... وكان مقتنعًا بأن المملكة العربية السعودية ستكون ذات أهمية حيوية لأمريكا في عالم ما بعد الحرب، بفضل نفطها." وبالاتجاه الآخر "كان (ابن سعود) محاربًا أسس المملكة السعودية الحديثة..." مضيفًا عن الاجتماع أنه :"طغى على جوهر هذا الاجتماع على متن سفينة كوينسي خلافٌ حول مستقبل فلسطين: فقد طالب روزفلت بدولة يهودية، بينما احتج ابن سعود على أن يحصل اليهود على دولتهم في بافاريا." ورغم هذا الخلاف الكبير الذي يوضح ثبات الموقف السعودي حتى اليوم تجاه فلسطين يضيف "ريدل" أن الاتفاق الحاصل تمثل بأن الزعيمين "وضعا أسس علاقة طويلة الأمد: ضمانات أمنية أمريكية للمملكة مقابل الحصول على إمدادات طاقة بأسعار معقولة." وهو ما كان فيه الدور العميق على ما يظهر للوزير المناضل القومي السوري/السعودي يوسف ياسين تجاه جلالة الملك المؤسس واهتمامه بقضايا الأمة.
فلسطينيًا وبالرجوع للوثيقة الأمريكية حول اللقاء فلقد "طلب الرئيس (الأمريكي) من جلالته (عبدالعزيز بن سعود) النصيحة بشأن مشكلة اللاجئين اليهود المُهجّرين من ديارهم في أوروبا. أجاب جلالته بأنه يرى ضرورة عودة اليهود للعيش في الأراضي التي طُردوا منها. أما اليهود الذين دُمرت منازلهم بالكامل والذين لا يملكون أي فرصة لكسب الرزق في أوطانهم، فيجب منحهم مكانًا للعيش في دول المحور التي اضطهدتهم. ثم شرح جلالته قضية العرب وحقوقهم المشروعة في أراضيهم، ...... ، ولفت جلالته الانتباه إلى التهديد المتزايد لوجود العرب والأزمة الناجمة عن استمرار الهجرة اليهودية وشراء اليهود للأراضي. وأضاف جلالته أن العرب سيختارون الموت على التنازل عن أراضيهم لليهود."
قالت صحيفة "الشرق الاوسط" (3/2/2025م)عن زيارة الشرع للسعودية أنها تأتي"بعدما أجرت الإدارة السورية الجديدة مطلع شهر يناير (كانون الثاني) 2025 زيارة للرياض بوصفها أول وجهة خارجية بوفد رفيع المستوى ضم وزيري الخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات. وحيث ذكرت الصحيفة في تقريرها: إن الزيارة "ليست مجرد رسالة إعلامية وسياسية، بل توجُّه واعٍ نحو السعودية بوصفها العمق الاستراتيجي لسوريا وشعبها"، وبالمقابل حسب المحللين حينها "ستعمل الرياض على تمكين القيادة السورية الجديدة من توحيد الأراضي السورية واستقرارها"، وقال عبيدة نحاس رئيس حركة التجديد الوطني السورية "إن السعودية لطالما نظرت إلى دمشق على أنها حليف مهم في التوازن والاعتدال واستقرار الأمن القومي، وهذا ما افتقده البَلَدان خلال السنوات الأخيرة من حقبة النظام البائد".
عودة للنظر في التاريخ البعيد فإن مكافأة النظام في سوريا تتفق مع فكرة رد الجميل العربي ولو بعد حين ويتفق باعتقادنا مع طريقة تفكير العربي الأصيل فكيف لا يقوم العربي بخدمة من كان له الأثر بالتاريخ، وبما لا يتعارض مع الحاضر بل يقوّيه، وهو ما كان من الأمير تجاه سوريا اعترافًا بالفضل السوري على المملكة منذ التأسيس في شخصية يوسف ياسين سكرتير الملك وأحد وزرائه، ومن أهم كواتم أسراره آنذاك.
على الصعيد الفلسطيني فإن الفلسطينيين الذين يفهمون جيدًا صلابة موقف الملك المؤسس من قضية فلسطين، وكافة الملوك ثم المبادرات اللاحقة (مبادرة الملك فهد، الملك عبدالله، الامير محمد بن سلمان...)، وتوصية جمال عبدالناصر للزعيم الراحل ياسر عرفات ببناء علاقات متينة مع المملكة، يترقبون بشغف مآلات المؤتمر الدولي القادم لتنفيذ حل الدولتين بشهر حزيران 2025م، وهو ما "يجب أن يكون نقطة تحول، من إراقة الدماء إلى وقف دائم لإطلاق النار، من التهجير القسري إلى التعايش السلمي، من الاحتلال إلى الاستقلال، من الحروب والصراعات إلى تنفيذ حل الدولتين، وبالتالي تحقيق السلام الإقليمي والاندماج" كما قال ممثل فلسطين بالامم المتحدة رياض منصور.
في الرد على الاعلان الامريكي برفع العقوبات عن سوريا قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني "أن الدبلوماسية السعودية أثبتت مجدداً أنها صوت العقل والحكمة في محيطنا العربي، وأضاف أن مساهمتها الفاعلة في رفع العقوبات عن سوريا تعكس حرصاً حقيقياً على وحدة سوريا واستقرارها وعودة دورها الفاعل في الإقليم". وعقبال فلسطين.