الأرض بتتكلم عبري ؛ الأرض الأرض
الكاتب: د. عدنان ملحم
لعل أكبر إخفاق للحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها حتى اليوم عجزها عن صناعة إستراتيجية صلبة قادرة على مقاومة الاستيطان الاستعماري في فلسطين ، واستيعابها بأن الأرض على اختلاف مسمياتها و أنواعها وأشكالها ومواقعها هي قلب وروح المشروع الصهيوني العقائدي ، وفشلها في تأسيس منظومة وطنية دينية سياسية اقتصادية صناعية زراعية اجتماعية وقانونية تحافظ على عروبة الأرض الفلسطينية ، وعدم قدرتها على خلق وعي وطني جماهيري يتعامل مع الأرض كقضية حياة أو موت نصر أو هزيمة .
تعتقد المنظومة السياسية والوطنية الفلسطينية بأن عمليات توزيع المساعدات المادية والعينية مثل : الخيم والبركسات والأشجار والبذور والحيوانات والماكينات والأدوية وتوفير الكهرباء والماء على المواطنين ، وكذلك تشكيل هيئات صغيرة تلبي مطالبهم و تدافع عنهم ، يمكن أن تقف في وجه المشروع الصهيوني المدعوم : ماديا واقتصاديا وسياسيا .
تتوزع قضايا شؤون الأرض في فلسطين على وزارات الزراعة والحكم المحلي والمالية والأوقاف والخارجية وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان وسلطة الأراضي و هيئة التسوية ، وتتعامل هذه المسميات معها كأحد مصادر الثروات أو الملكيات العامة أو الخاصة ، بينما هي في حقيقة الأمر قضية صراع مصيري تدور على أرضها أشرس المعارك بين المشروع الوطني الفلسطيني والاستعماري الصهيوني .
آن الأوان قبل أي وقت مضى لتأسيس جسم وطني مركزي يعنى بقضايا الأرض الفلسطينية من الألف إلى الياء ، تقع على كاهله مهام دعم الموطن الفلسطيني وتثبيت صموده فوق أرضه ومقاومة سرطان الاستيطان من خلال الفعل السياسي والقانوني والاقتصادي والزراعي والصناعي والوطني الجماهيري السلمي الجمعي ، مدعوما بالخبراء والمختصين من أجل الحفاظ على عروبة الأرض … آن الأوان لتصحيح بوصلة السلطة الوطنية الفلسطينية من راعية مؤسسات وهياكل كيان أو دولة مستقلة إلى راعية حركة وطنية تخضع لأقسى احتلال إحلالي استيطاني مباشر .
نحن أمام واقع جديد يتمثل في قيام إسرائيل : حكومة واحزاب وحركات وجمعيات دينية و سياسية وحزبية بخطوات فعلية لضم الأرض الفلسطينية ، وإقامة المستعمرات والمشاريع الاقتصادية والزراعية والسياحية والعسكرية وشق الطرق وبناء الجدران والحواجز والبوابات والجدران وهدم المنازل والممتلكات الفلسطينية ، وإسكان مليون مستوطن في مساحات الوطن الفلسطيني .
اليوم نشاهد بشكل طبيعي عمليات حرق بروقين وكفر الديك وترمسعيا ورمون وبرقة وحوارة واللبن الشرقية ودوما وقصرة وجالود وبورين وجيت و عوريف و عصيرة القبلية وأوصرين والبيرة و مردا وبرقا ودير شرف ، ونشاهد عمليات تهجير المواطنين من مناطق الأغوار والمناطق المصنفة C و B ومن القرى المجاورة للمستوطنات وكذلك تدمير المنازل والممتلكات فيها ، ونشاهد المستعمرات والبؤر الاستيطانية و البوابات والحواجز والجدران في كل مكان من الأرض الفلسطينية المحتلة ، وغدا لن يبقى لدينا أرض تحتضن أجسادنا بانتظار يوم الحساب العظيم !.
المنظومة السياسية والوطنية الفلسطينية جمعاء ، صمود الشعب الفلسطيني في أرضه وتوفير جميع المقومات من أجل ذلك هو المعركة التي يجب الانتصار فيها … السفينة الفلسطينية تتقاذفها الأمواج من كل حدب وصوب ، و شعبها منهك و متعب و مصاب بأمراض اللامبالاة واليأس والفقر ، وبينه وبين زعاماته وفصائله وحكوماته مساحات شاسعة من عدم الثقة والخوف وربما العداء .

