الاعتراف بدولة فلسطين: فرصة اقتصاديةلا يجب إهدارها
الكاتب: د. سعيد صبري- مستشار اقتصادي-عضو مجلسإدارة هيئة التحول الرقمي الدولية - دبي
بينما يتفاعل العالم مع موجة الاعترافات المتصاعدة بدولة فلسطين، والتيكان آخرها اعتراف إسبانيا، أيرلندا، والنرويج، تظهر على السطح فرصةنادرة تستحق أن تأخذ مكانها في دائرة الضوء: الفرصة الاقتصادية.
هذه التحولات السياسية لا يجب أن تُقرأ فقط من منظور سيادي أو رمزي، بل باعتبارها بوابة نحو استقلال اقتصادي، ومفتاحًا لتوسيع دائرة علاقاتفلسطين التجارية والدبلوماسية.
ويُعزز هذا المشهد الإعلان عن عقد مؤتمر دولي حول الاعتراف بدولةفلسطين، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك منتصف حزيرانالجاري، بدعوة رسمية من رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبمبادرة فرنسية–سعودية تهدف إلى إعادة تفعيل حل الدولتين وتعزيز المسارالسياسي والاقتصادي لبناء الدولة الفلسطينية.
الاعترافات ليست رمزية فقط
الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين من قبل دول وازنة في الاتحاد الأوروبيليس مجرد تضامن سياسي، بل قرار سيادي يُمكّن تلك الدول من التعاملمع فلسطين كدولة ذات أهلية قانونية لإبرام اتفاقيات ثنائية.
هذا يفتح الباب أمام إعادة هيكلة العلاقات التجارية لفلسطين مع الخارج، خصوصًا مع الاتحاد الأوروبي الذي يُعد أحد أكبر شركاء فلسطينالتجاريين والداعمين الماليين.
ثلاث نوافذ اقتصادية رئيسية للاعتراف:
1. اتفاقيات تجارة ثنائية جديدة
الاعتراف يُتيح لفلسطين التفاوض على اتفاقيات تجارة حرة أوتفضيلية مباشرة مع الدول المعترفة، دون الحاجة للمرور عبرالاحتلال أو التنسيق معه. وقد يشمل ذلك إعفاءات جمركية، دعمصادرات، وتسهيل دخول المنتجات الفلسطينية إلى أسواقجديدة.
2. فتح آفاق الاستثمار الدولي
الاعتراف يعزز الثقة بالمؤسسات الفلسطينية، ويشجع شركاتمن أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية على التفكير جدّيًا في دخولالسوق الفلسطيني، خاصة في قطاعات واعدة مثل تكنولوجياالمعلومات، الطاقة المتجددة، والصناعات الزراعية.
3. تفعيل دور فلسطين في المنظمات الاقتصادية الدولية
توسّع الاعترافات يمنح فلسطين أرضية قانونية أقوى للتقدّمبطلبات عضوية في منظمات دولية مثل منظمة التجارة العالمية(WTO)، ما يوفر آليات لحماية المنتجات الفلسطينية وتسهيلدخولها إلى الأسواق العالمية.
مؤتمر نيويورك: فرصة يجب التحضير لها
المؤتمر المزمع عقده في نيويورك هذا الشهر ليس مناسبة بروتوكولية فقط، بلمن المرجح أن يكون منصة لعرض مبادرات دعم ملموسة لفلسطين، منضمنها مشاريع تنموية، صناديق تمويل، أو آليات لتعزيز قدرة الاقتصادالفلسطيني على الاستقلال والنمو.
ومن المتوقع أن تسعى دول مشاركة إلى طرح مبادرات لدعم القطاع الخاصالفلسطيني، أو تمويل مشاريع بنى تحتية، وربما إنشاء صندوق دوليمتعدد الجنسيات لتعزيز قدرات الدولة الفلسطينية اقتصادياً.
ما المطلوب من وزارة الاقتصاد؟
لا يمكن أن ننتظر مخرجات المؤتمر أو خطوات الدول المعترفة دون تحضيرداخلي حقيقي. على وزارة الاقتصاد الوطني أن تتحرك بشكل استباقيعلى أكثر من مسار:
● تشكيل وحدة تنسيقية دائمة لمتابعة الفرص الاقتصاديةالمرتبطة بالاعترافات، تضم ممثلين من القطاع العام والخاص.
● إعداد قائمة جاهزة بالمشاريع الاستثمارية القابلة للعرضعلى الشركاء الدوليين، خاصة في مجالات الزراعة والصناعةوتكنولوجيا المعلومات.
● وضع استراتيجية تصدير جديدة تستهدف الدول التياعترفت بفلسطين، ترتكز على دراسة احتياجات تلك الأسواقوترويج المنتجات الفلسطينية الأكثر قدرة على المنافسة.
● تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية من خلال السفاراتوالممثليات الفلسطينية، لتكون فاعلة في خلق شراكات اقتصاديةوليس فقط تمثيل سياسي.
● التحضير الفني والمؤسسي لمخرجات مؤتمر نيويورك، بما يشمل إنشاء فرق عمل قانونية وإدارية لمتابعة أي اتفاقياتأو تعهدات دولية تصدر عنه.
خاتمة: الفرصة تحتاج إلى إدارة لا إلى انتظار
قد لا تتكرر مثل هذه اللحظة التاريخية في القريب. الاعتراف المتسارع بدولةفلسطين، والمبادرات الدولية الداعمة، تشكّل بيئة خصبة لتغيير قواعد اللعبةاقتصاديًا.
لكن الفرصة وحدها لا تكفي. إذا لم تتحرك الحكومة الفلسطينية بمؤسساتهاالمختلفة، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد، بسرعة وبكفاءة، فإن الاعترافسيبقى حبرًا على ورق بالنسبة لحياة الناس اليومية.
الاقتصاد لا ينتظر. وهذه اللحظة يجب أن تُدار لا أن تُحتفل بها فقط. إنهافرصة لتكريس الاستقلال الحقيقي، وترجمة الاعتراف السياسي إلى ازدهاراقتصادي ملموس.

