الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:02 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:24 PM
المغرب 7:54 PM
العشاء 9:25 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

التعاونيات في فلسطين: جذور عميقة وآفاق واعدة في اليوم العالمي للتعاونيات

الكاتب: طارق جلال التميمي

في الخامس من يوليو من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للتعاونيات، في هذا العام نحتفل تحت شعار "التعاونيات تبني مستقبلاً أفضل للجميع"، وهو احتفال يكتسب أهمية خاصة في السياق الفلسطيني، حيث تشكل التعاونيات ليس مجرد نموذج اقتصادي، بل تعبيراً عن روح التعاون والتعاضد المجتمعي المتجذرة في التاريخ الفلسطيني منذ عقود طويلة و تجلت بشكل واضح خلال الانتفاضة الاولى و خلال مراحل الاحتلال المختلفة.

جذور تاريخية عميقة

تمتد جذور الحركة التعاونية في فلسطين إلى أعماق التاريخ، حيث تشير الأدبيات إلى أن نشأة نمط الإنتاج التعاوني في فلسطين التاريخية تعود إلى عشرينيات القرن الماضي. ففي عام 1924، تأسست أول جمعية تعاونية مسجلة في فلسطين، وهي جمعية عربية في عكا لمنتجي التبغ، وذلك تحت حكم الانتداب البريطاني. لم تكن هذه البداية مجرد صدفة، بل كانت تعبيراً عن حاجة حقيقية للتعاون والتضامن في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية. وقد شهدت الحركة التعاونية نمواً ملحوظاً، حيث ازداد عدد الجمعيات التعاونية حتى وصل في سنة 1934 إلى 50 جمعية مختلفة الأنواع، وارتفع عددها في سنة 1937 إلى 127 جمعية، ليصل إلى 244 تعاونية بحلول نهاية عام 1946. هذا النمو المتسارع لم يكن عشوائياً، بل جاء في إطار قانوني منظم، حيث صدر أول قانون تعاون ناظم للعمل التعاوني وهو القانون رقم 53 لسنة 1920، والذي تم تعديله لاحقاً ليصدر القانون رقم 50 لسنة 1933 ونظام التعاون لسنة 1934، مما ساهم في انتشار التعاونيات وتنظيم عملها.

التعاونيات كنموذج للمقاومة والصمود

ما يميز التجربة التعاونية الفلسطينية عن غيرها هو ارتباطها الوثيق بالنضال الوطني والمقاومة. فبعد النكبة عام 1948 وقيام الكيان الصهيوني، واجهت الحركة التعاونية تحديات جديدة، خاصة بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، حيث وضع الاحتلال عراقيل ومعيقات أمام تطوّر الحركة التعاونية، وفرض أوامر عسكرية وإجراءات مجحفة تهدف إلى منع تطوير الجمعيات التعاونية والتضييق عليها. رغم هذه التحديات، استطاعت التعاونيات الفلسطينية أن تحافظ على وجودها وتطور دورها، حيث تم تسجيل 373 جمعية تعاونية في الضفة الغربية و10 جمعيات تعاونية في قطاع غزة خلال الفترة 1970-1990. وقد لعبت التعاونيات دوراً مهماً في مواجهة سياسات الاحتلال الرامية إلى السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني وربطه بالاقتصاد الإسرائيلي. رحم الله الصديق العزيز المرحوم عدنان عبيدات كان من رواد تنظيم و ادارة الجمعيات التعاونية في فلسطين مبتعثاُ من بلده الاصلي كفر سوم في الاردن.

الدور التنموي والاجتماعي

تشكل التعاونيات في فلسطين نموذجاً اقتصادياً اجتماعياً يعبر عن حالة التعاون والتعاضد المجتمعي، ويساهم في العملية الإنتاجية، وخاصة الزراعية، كما يشكل نموذجاً من نماذج الانفكاك عن التبعية للاقتصاد الإسرائيلي. تساهم التعاونيات في كسر الحلقة المفرغة من الفقر والبطالة، وتعزز التقدم باتجاه السيادة الغذائية، وتشكل قاعدة اجتماعية أوسع للاقتصاد الوطني. كما أن الطابع التعاوني لتنظيم العمل يساعد في سد فجوات العزوف المجتمعي والسياسي، وبناء علاقات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين أعضائها.
بحسب إحصائيات هيئة العمل التعاوني التابعة لوزارة العمل في فلسطين، بلغ عدد التعاونيات المسجلة في الضفة الغربية حتى نهاية عام 2018 حوالي 699 تعاونية، تتوزع على خمس قطاعات رئيسية: الزراعية بنسبة 37.6%، والإسكانية بنسبة 31.8%، والخدمية بنسبة 24.2%، إضافة إلى قطاعات أخرى. رغم هذه الأرقام، تواجه الحركة التعاونية الفلسطينية تحديات كبيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن المشاركة الفلسطينية في الإنتاج التعاوني لا تزال أقل من 1% مقابل متوسط عالمي يقارب 12%. هذا الواقع يعكس الحاجة إلى مزيد من الجهود لتطوير القطاع التعاوني وتعزيز دوره في الاقتصاد الفلسطيني. من أبرز التحديات التي تواجه التعاونيات الفلسطينية اليوم سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على ما يصل إلى 76% من المساحة المصنفة (ج)، مما يحد من قدرة التعاونيات على الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية.

الفرص والآفاق المستقبلية

رغم التحديات، تحمل التعاونيات الفلسطينية إمكانيات كبيرة للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالتعاونيات تعود إلى الواجهة كنمط إنتاجي يحمي الأرض، وطريق للانفكاك عن سوق الاحتلال بقدر الإمكان، خاصة في ظل ارتفاع نسب البطالة بين صفوف الشباب بعد الحرب على غزة والحاجة لمواجهة السيطرة الاستعمارية على الموارد. يوجد في فلسطين اتحاد تعاوني عام، بالإضافة إلى ست اتحادات تعاونية قطاعية، منها اتحاد الجمعيات التعاونية الزراعية الذي تأسس عام 1966، واتحاد جمعيات الإسكان التعاونية الذي تأسس عام 1997 و غيرها من الاتحادات التخصصية.

التوصيات والرؤية المستقبلية

لتعزيز دور التعاونيات في فلسطين، هناك حاجة إلى مجموعة من الإجراءات والسياسات. أولاً، ضرورة تطوير الإطار القانوني والتنظيمي للتعاونيات، خاصة بعد أن قام دولة رئيس الوزراء بحل ودمج هيئة العمل التعاوني وإلحاق اختصاصاتها بوزارة العمل.

ثانياً، الحاجة إلى زيادة الوعي بأهمية العمل التعاوني ونشر ثقافة التعاون، خاصة بين الشباب والخريجين الجامعيين. ثالثاً، توفير الدعم المالي والتقني للتعاونيات، وتطوير برامج التدريب والتأهيل للعاملين في القطاع التعاوني.

رابعاً، تعزيز التعاون بين التعاونيات والمؤسسات الأهلية والحكومية، وخامساً، الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في مجال التعاونيات، مع مراعاة الخصوصية الفلسطينية والسياق الاستعماري الذي تعيشه فلسطين.

في اليوم العالمي للتعاونيات، نتذكر أن التعاون والتعاونيات ليست مجرد مفاهيم حديثة مستوردة، بل هي جزء من التراث الفلسطيني والهوية الجماعية للشعب الفلسطيني. فمنذ عشرينيات القرن الماضي، أثبتت التعاونيات الفلسطينية قدرتها على الصمود والتطور رغم كل التحديات.اليوم، وفي ظل إعلان الأمم المتحدة عام 2025 السنة الدولية للتعاونيات تحت شعار "التعاونيات تبني عالماً أفضل"، تقف فلسطين أمام فرصة ذهبية لإعادة إحياء الحركة التعاونية وتطويرها لتصبح رافعة حقيقية للاقتصاد الفلسطيني ووسيلة فعالة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

إن فلسفة التعاون والتعاونيات ليست غريبة عن الفلسطينيين، فهي تتقاطع مع القيم والتقاليد الموروثة فلسطينياً، وتشكل أداة مهمة للتمسك بالأرض ومواجهة سياسات الاستعمار. والمطلوب اليوم هو إعادة الاعتبار إلى القطاع التعاوني والتعامل معه كشبكة حماية اقتصادية واجتماعية أساسية، وليس مجرد جزء من منظومة السوق الحرة.

التعاونيات الفلسطينية تحمل في طياتها إمكانيات هائلة للمساهمة في بناء اقتصاد وطني مستقل وقادر على الصمود، وهي تستحق كل الدعم والاهتمام من المجتمع والحكومة والمؤسسات الدولية. فالتعاونيات ليست مجرد مؤسسات اقتصادية، بل هي تعبير عن روح الشعب الفلسطيني وقدرته على التعاون والتضامن في مواجهة أصعب الظروف.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...