الكل يريد هذا الضغط الأمريكي

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
ترسل إسرائيل وفدها إلى قطر من قبيل العلاقات العامة، فهي تُصرح علناً أنها ستقضي على حركة حماس وأنها ستهجر المواطنين الفلسطينيين، كرهاً أو طواعية، وتؤكد علناً أن ما يسمى اليوم التالي في غزة لن يشمل حماس أو حتى السلطة الوطنية، إسرائيل ترسل وفدها إلى قطر فيما هناك سيناريوهات عسكرية جاهزة للاحتلال العسكري الكامل وسيناريوهات للاستيطان وسيناريوهات للاستثمار، إسرائيل ترسل وفدها إلى قطر وهي ترى في نفسها منتصرة، بمعنى من المعاني، وأن حماس لا يمكنها الاستمرار بمزيد من الضغط والحصار والتفكيك وإشاعة الفوضى والميليشيات المتعددة الأغراض، إسرائيل ترسل وفدها إلى قطر حتى لا تتناقض مع الزخم الأمريكي والرغبة الشخصية لترامب، صديق إسرائيل الذي لن يجود الزمان بمثله، وهي ترسل وفدها حتى تقنع جمهورها أنها تتعاطى مع المقترحات، التي اقترحتها هي بنفسها، بإيجابية، وهي تفعل ذلك أيضاً لشراء الوقت وتجميل الصورة وترويج الأضاليل، ومن أجل شيطنة حماس ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
إسرائيل ترسل وفدها وهي تعرف أن القرار النهائي بيد ترامب، الذي يريد هدوءاً في قطاع غزة من أجل شارعه المضطرب الذي لم يعد يسكت على ما يجري في غزة، فقد تحولت الحرب على غزة وما يجري فيها من فظائع إلى نقاش يومي في مختلف المستويات والدوائر الأمريكية، إن ظاهرة زهران ممداني، المرشح المقترح لرئاسة بلدية نيويورك، ظاهرة جديدة تماماً، وهي ظاهرة مقلقة إلى درجة أن ترامب هدد الرجل، هذه الظاهرة تلخص قوة الشعب ضد قوة المال والإعلام المسيطر والدعاية الشاملة واللوبيات الصهيونية واليهودية والإسرائيلية والدينية المتطرفة، ترامب يريد أن يقدم إجابة مقنعة لهذا الجمهور الغاضب الذي من الواضح أن كل إجراءات الإدارة الأمريكية المتطرفة لم تخيفه ولم تردعه حتى الآن.
أعتقد أن إسرائيل بحكومتها وجمهورها ومعارضتها ومنظومتها العسكرية، تحتاج هذا الضغط الأمريكي العلني حتى يخلصها من إثم القرار بوقف الحرب التي تورطت بها منذ اثنين وعشرين شهراً وتبدو بلا نهاية ولا نتيجة.
إسرائيل تريد أن تبدو وكأنها أوقفت الحرب، ليس هزيمة أو تعباً أو عدم قدرة على المواصلة، وإنما بسبب القرار المشترك مع الإدارة الأمريكية واعتباراً لمصالحها أيضاً.
إسرائيل ترسل وفدها وهي تؤمن أنها لم تحقق أهدافها العلنية، على الأقل، بالقضاء على حماس وإطلاق سراح الأسرى بالقوة وتهجير المواطنين، ولن تستطيع ذلك، وهي تعرف أن خيار القوة استنفذ كل طاقاته، ولهذا، تبحث عن صيغة سياسية تقترحها الولايات المتحدة وتضغط من أجل تحقيقها.
الإدارة الأمريكية تريد أن تجعل من التهدئة في قطاع غزه جزءاً من رؤية شاملة للإقليم كله، بمعنى أن يكون وقف إطلاق النار عتبة ضرورية لوضع تصور جديد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمنطلقات جديدة ومرجعيات مختلفة، وأن يكون وقف إطلاق النار عتبة لتسويات أمنية وسياسية مع العالم العربي والإسلامي، إن كان ذلك ممكناً ومتاحاً، وهذا يتوقف على صلابة الموقف العربي والإسلامي، كما تريد الولايات المتحدة أن يكون وقف إطلاق النار مدخلاً لتهدئة الجدل السياسي والأمني والقضائي في إسرائيل، بمعنى أن تكون التهدئة مدخلاً لإعادة تركيب الحكومة الإسرائيلية، إما بإعادة التفويض أو إعادة التركيب من جديد.
لهذا كله، القرار بيد ترامب، ليس لأنه يريد ذلك فقط، بل لأن إسرائيل تريد ذلك أيضاً، فهذا القرار يعفي إسرائيل ويخلصها من حرب أبدية ويريح مجتمعها ويعيد تركيب الخريطة السياسية فيها، كما أن قراراً مثل هذا سيعطي أصدقاء أمريكا وحلفائها في المنطقة فرصة لالتقاط الأنفاس والخلاص من الحرج أو أي انفجارات مجتمعية أو احتقانات سياسية.
لهذا، فإن وفد إسرائيل في قطر سيحصل على صلاحيات أوسع من أجل تخفيض سقف التعديلات المطلوبة أو لتسجيل بعض المزايا العسكرية أو لتثبيت أوضاع معينة، لأن إسرائيل تذهب إلى قطر وهي متورطة إلى أذنيها في حرب لا تستطيع أن تسجل فيها ما تسميه النصر المطلق، إذ لا يمكن الانتصار على الشعوب الحية ولا يمكن هزيمة الأفكار أو سحق الأرواح.
إن الضغط الأمريكي واستمراره ضروري للوصول إلى تهدئة، إسرائيل وحدها لن تستطيع ولا تريد أن تتوصل إليها، وإسرائيل تعرف في نهاية الأمر أن المقترح الأمريكي، بنقاطه الأربعة عشر، يصب في مصلحتها الحالية والمستقبلية، كما أن هذا المقترح يعد إسرائيل بجوائز مختلفة، لهذا، ألاعيب إسرائيل التفاوضية مكشوفة جداً هذه المرة.