تغيير ملامح المخيمات

الكاتب: أسامة خليفة
عمليات الهدم والتهجير القسري ترقى إلى جرائم حرب وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر العقوبات الجماعية والتدمير غير القانوني لممتلكات السكان الواقعين تحت الاحتلال، ومنذ نحو ستة أشهر تتسارع وتيرة الاستيطان وعمليات الهدم في الضفة الغربية، رغم أن ذلك يمثل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 2334، المعتمد في 23 ديسمبر 2016، والذي يؤكد عدم شرعية المستوطنات ويدعو إلى وقفها الفوري، ونص القرار على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967، وهو أول قرار يُمرر في مجلس الأمن متعلق بإسرائيل وفلسطين منذ عام 2008. لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضده كعادتها في حماية إسرائيل من الإدانة الأممية. إلا أن القرار أدان جميع التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد المدنيين، هذا القرار لا يعترف بأي تغييرات في خطوط الرابع من يونيو 1967 بما في ذلك ما يتعلق بالقدس.
يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بعمليات هدم واسعة في مخيمات شمالي الضفة الغربية، يعلن الجيش أن عملياته العسكرية هناك تهدف إلى تغيير ملامح المخيمات الفلسطينية، يتزامن هذا مع حديث نتنياهو عن تغيير وجه المنطقة، وسبقتها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يريد أن يحول قطاع غزة من مخيم بائس للاجئين الفقراء إلى ريفيرا الشرق يرتادها نخبة الأثرياء، بعد طرد أهلها منها، تصريحات وممارسات تنبؤ أن المخطط الصهيوأميركي يشمل جغرافيا المنطقة كلها، بدءاً بالمخيمات الفلسطينية، لماذا أولوية تغيير ملامح المخيمات؟. هل لأنها شاهدة على النكبة الفلسطينية تتحدث عن سياسة تطهير عرقي، لا تزول صورتها البشعة بالتقادم ؟. أم لتمركز مقاومة الاحتلال في أحيائها الفقيرة؟. في الهجمة الحالية على بيوت الفلسطينيين ومحاولات إحكام الاحتلال فرض السيطرة على الأرض، وطمس الهوية الفلسطينية، تشير تقديرات إلى أن الجرافات الإسرائيلية هدمت أكثر من 600 منزل بالكامل بمخيم جنين وحده، وفتحت 15 شارعاً، بذريعة أن ذلك من شأنه أن يتيح للجيش حرية الحركة ويسهل الوصول إليها لإحباط العمليات العسكرية. ذلك بعض من الحقيقة العدوانية للاحتلال، والحقيقة الأكيدة أن سلطات الاحتلال تواصل هدم المباني في المخيمات، امتداداً لمشروع صهيوني استيطاني قديم يقوم على أسس أمنية وعسكرية تحت حجج دينية تسمح للمستوطنين استباحة المخيمات، يتكامل دورهم مع دور الجيش لإخضاع المدن والقرى والمخيمات، ووضعها تحت سيطرة أمنية عسكرية دائمة، يمارس جيش الاحتلال خلالها سلطة استبدادية مطلقة لا تسمح بأي دور للسلطة الفلسطينية ليس في منع الهدم، بل في منح رخص البناء، وقد هددت سلطات الاحتلال أنها لن تسمح بإعادة بناء ما تم هدمه في المخيمات.
تشير التقديرات الفلسطينية إلى أن الاحتلال شرّد نحو 40 ألف فلسطيني من ثلاثة مخيمات، ولم يسمح لسكان مخيم جنين بالعودة إلى منازلهم حتى للحصول على بعض ممتلكاتهم، مع استمرار إغلاق مداخل المخيمات وتحويلها إلى مناطق غير صالحة للحياة بتدمير البنية التحتية، وحسب بلدية جنين، تم تدمير 60% من البنية التحتية في مدينة جنين. في 2 شباط / فبراير الماضي، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتفخيخ نحو 20 منزلاً في مخيم جنين ونسفها خلال العملية العسكرية التي استهدفت ملاحقة المقاومين، وفي شهر حزيران قامت سلطات الاحتلال بتسليم إخطارات بهدم 100 منزل في مخيم جنين، عمليات الهدم التي تتم باستخدام الجرافات، ترافقها قوة حماية عسكرية كبيرة، تفرض الحصار على كل المنطقة لقمع أي تحرك فلسطيني يحاول منعها من تنفيذ أوامر الهدم.
أدى العدوان الإسرائيلي إلى تدمير ما لا يقل عن 400 منزل كلياً في مخيمي طولكرم ونور شمس، و2573 منزلا تضرر بشكل جزئي، و في أيار/ مايو الماضي أعلنت سلطات الاحتلال عن مخطط لهدم 106 مبنى، منها 58 في مخيم طولكرم، تضم أكثر من 250 وحدة سكنية وعشرات المنشآت التجارية، و48 مبنى في مخيم نور شمس، ستسبب تهجير العديد من العائلات وتحويل أفرادها إلى مشردين.
هذه عدة إحصائيات من سياسات الاحتلال في سيل الممارسات القمعية الهدامة في الضفة الغربية بالتجريف والتفخيخ، أما في قطاع غزة فالهدم بالقصف بالقنابل الثقيلة، دون سابق إنذار بأسلوب نازي إجرامي في هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها في إطار عدوان شامل لم يستثنِ آبار مياه الشرب من التدمير، مما يشير إلى سياسة التطهير العرقي الذي لم تتوقف منذ ما قبل عام النكبة، قرى العربية محيت من الوجود إبان الحكم البريطاني لفلسطين، كما في قرى مرج ابن عامر، حيث تم الإجلاء القسري لسكانه في العام 1925، استمرت سياسة الهدم والتهجير، وسط صمت عالمي، بل كان للمنظومة الدولية دور سلبي، حين بدأ التطهير العرقي مباشرة بعد صدور قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1947، الذي منح الضوء الأخضر للعصابات الصهيونية بشن حرب تهجير وإبادة جماعية، وحتى نهاية العام 1948 كانت مئات القرى والبلدات قد تحولت إلى ركام وسكانها إلى لاجئين. يقول إيلان بابيه المؤرخ الإسرائيلي في جامعة إكستر في بريطانيا: «نصف الفلسطينيين الذين أصبحوا لاجئين، طردوا من منازلهم بحلول مايو 1948. ومن بين 530 قرية فلسطينية التي دمرت في نكبة 1948 فإن نصف هذه القرى هدمت قبل 15 مايو».
في 11 أبريل/نيسان الماضي، استكمل الجيش الإسرائيلي السيطرة على كامل محور موراغ محاصراً مدينة رفح بين محاور موراغ ونتساريم وفيلادلفيا جنوبي القطاع. ووسع الجيش الإسرائيلي عمليات هدم ونسف المباني ليس لإقامة منطقة عازلة على الحدود مع مصر، بل يريد أن يقيم ما يسميه «المدينة الإنسانية»، تسمية تخفي الاسم الحقيقي لهذه الخطة بأنها مجرد معسكر اعتقال كبير، تهدف هذه الخطة الإسرائيلية تجميع الفلسطينيين في هذا المعتقل جنوب القطاع تمهيداً لتهجيرهم إلى خارج فلسطين، وبحسب تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تبحثان عن دول يمكن نقل الفلسطينيين إليها. فقد كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن خطة إقامة «مدينة إنسانية» مغلقة فوق أنقاض مدينة رفح، تبدأ أعمال إنشاء «المدينة» خلال فترة التهدئة المفترضة التي قد تمتد لـ 60 يوماً في حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
تقضي الخطة في مرحلتها الأولى بتفريغ منطقة الممر الإنساني في المواصي، ونقل نحو 600 ألف من الفلسطينيين إلى هذه « المدينة الجديدة». وفي المرحلة الثانية، يتم نقل باقي سكان القطاع إلى « المدينة الجديدة».
تتولى منظمات دولية إدارة الشؤون المدنية في «المدينة الإنسانية»، بينما سيقوم الجيش الإسرائيلي بمحاصرة «المدينة» للقيام بتفتيش أمني لكل من يدخلها، ومن يدخلها يُمنع من مغادرتها، وإجراءات أخرى تهدف إلى فصل السكان المدنيين عن أعضاء حركة حماس. وبعد تجميع السكان، يتم تشجيع ما تسميه إسرائيل الهجرة الطوعية لسكان «المدينة الإنسانية» إلى دولة تقبل توطينهم، أو دفعهم دفعاً نحو الحدود مع مصر.
« المدينة الإنسانية» التي يفترض أنها آمنة، ويتوفر فيها ما لذّ وطاب من طعام وشراب، يرى فيها سكان غزة أنها تهدف إلى تجميعهم في منطقة واحدة حتى يسهل « اصطيادهم»، وإعمال مزيد من القتل فيهم، ولن تكون إنسانية كما كانت مناطق عديدة في جنوبي القطاع، صنَّفها الجيش الإسرائيلي، على أنها آمنة، مثلما كانت منطقة المواصي الساحلية في خان يونس التي شهدت مجازر مروعة، راح ضحيتها آلاف القتلى والمصابين، وكما مناطق توزيع المساعدات الإنسانية، حيث استشهد نحو 798 فلسطينياً جائعاً من طالبي المساعدات إنسانية في غزة منذ نهاية أيار/ مايو الماضي حسب إحصائيات لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
رغم كل الجرائم والانتهاكات، واعتداءات المستوطنين، يبقى الفلسطينيون متمسكين بأرضهم، مؤكدين أن سياسات التهجير والاقتلاع لن تثنيهم عن البقاء والصمود ورفض النزوح إلى أي منطقة تُصنّفها إسرائيل على أنها آمنة، وهي ليست آمنة.