جائزة نوبل للسلام تفقد قيمتها

الكاتب: عمر حلمي الغول
جائزة نوبل ولدت من رحم الموت والدمار، وبعدما استيقظ عالم الكيمياء والمهندس والصناعي السويدي الفريد نوبل لأخطار اكتشافه العلمي للديناميت والمتفجرات القوية، وتنادى لأسماعه وقرأ ما وسم به في أوساط النخب العالمية باعتباره "تاجر الموت" وجامع المتناقضين "صانع الموت الداعي للسلام"، مما دفعه قبل رحيله الى عالم الأبدية، الى استثمار ثروته في تأسيس جائزة نوبل للسلام عام 1895 من خلال تشكيل صندوق يستخدم لتوزيع الفائدة السنوية لثروته على شكل جوائز للأفراد الذين يقدمون أكبر فائدة للبشرية في المجالات الخمس التالية: الفيزياء والكيمياء والطب أو علم وظائف الأعضاء، والادب والسلام والاقتصاد. واشترط نوبل لكي يحصل شخص ما على الجائزة أن يقدم فائدة كبيرة للبشرية جمعاء، وان ينحصر الترشيح بعد التصفية النهائية لقائمة المرشحين لكل جائزة في فروعها الخمس بحد اقصى 3 أشخاص.
ولا يمكن لأي شخص ترشيح نفسه للجائزة، ويتم الترشيح من قبل اشخاص مؤهلين فقط، مثل أعضاء الاكاديميات وأساتذة الجامعات، والحائزين على جوائز سابقة، وأعضاء المجالس التشريعية، وغيرهم مما هم في مقامهم. وفيما يتعلق بفرع السلام، يجوز لأي شخص يستوفي شروط الترشيح أن يرشح لجائزة نوبل للسلام. لا يشترط تقديم خطاب دعوة للتقديم، ولا يُكشف عن أسماء المرشحين أو أي معلومات أخرى تتعلق بهم الا بعد مرور خمسين عاما.
مجموع المرشحين لجائزة نوبل للسلام لعام 2025 وصل الى 338 مرشحا، منهم 244 فردا و94 منظمة، ويمثل هذا زيادة عن العام الماضي الذي بلغ فيه عدد المرشحين 286، وكان أعلى عدد من المرشحين في عام 2016، حيث بلغ 376 مرشحا. ومن مفارقات الترشيح لفرع السلام هذا العام تغول أحد زعماء النازية والابادة الجماعية ضد الشعب العربي الفلسطيني في العصر الحديث، والمطلوب للعدالة الدولية، وصدر بحقه مذكرة اعتقال من قبل محكمة العدل الدولية العام الماضي 2024، هو بنيامين نتنياهو على شروط نوبل للسلام، الذي أعلن اول أمس الاثنين 7 تموز / يوليو الحالي واثناء لقاء مشترك مع الرئيس الأميركي ترمب في البيت الأبيض، بتباهى أنه ودولته اللقيطة إسرائيل رشحوا راعي البقر الأميركي وقاتل السلام، ومشعل الحروب في ارجاء الدنيا، رغم ادعائه عكس ذلك، للحصول على جائزة نوبل للسلام.
وتكمن المصيبة في أن من لا يملك حق الترشيح لكائن من كان، لأن مكانه السجن والمحاكمة أمام القضاء العالمي، يرشح شخصا لا يستحق الترشيح أو الذكر في قائمة المرشحين. لكن في خضم الانهيارات وتفكك القيم الإنسانية، وصعود المجانين والنرجسيين والعنصريين ودعاة القتل والابادة وفرض حروب التجويع والتهجير القسري على البشر وخاصة الشعب الفلسطيني، واستباحة هيئة الأمم المتحدة وميثاقها والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ومعاهدات السلام، وتهديد الكرة الأرضية بحرب عالمية ثالثة بشكل كلاسيكي، في خضم ذلك، كل شيء جائز وممكن، ولم يعد مستحيلا ولا مستغربا او مستهجنا.
وهذا بحد ذاته يعكس التآكل الحاد في قيمة ومكانة واهمية الجائزة النبيلة وعظيمة الأهداف السامية، التي أرادها مؤسسها الفرد نوبل من تأسيسها، بهدف نشر السلام والقيم الإنسانية وخدمة البشرية جمعاء دون استثناء. ويؤكد تجرؤ نتنياهو على قيم الجائزة، انه مؤشر على انحدار البشرية الى درك أسفل، وهي مراحل مر بها العالم في الفترات الانتقالية السابقة بين عصرين عالميين، فالعالم الذي يموج ويعيش حالة انسيابية وإعادة تشكل وتشظي العلاقات الدولية، تمهيدا لبناء معالم عصر ومنظومة عالمية جديدة يحتمل وجود ظواهر غريبة ومفارقات عجائبية، وقلبا للمعايير والقيم والاسس الناظمة للبشرية.
ومجرد ترشيح دونالد ترمب لجائزة نوبل للسلام من قبل نتنياهو النازي، وليس حصوله على الجائزة يمثل عارا على الجائزة والسلام والبشرية، ويشكل أحد معالم تفكك عصر العولمة والقطبية الفردية، الذي استحوذت وسيطرت عليه الولايات المتحدة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وفي ذات الوقت، ورغم قتامة اللحظة والمصائب الأميركية الإسرائيلية الا ان العالم يتجه بخطى بطيئة ومتدحرجة نحو عصر جديد يحتاج الى بعض الوقت، هو عصر عالم متعدد الاقطاب.
كان الاجدر ترشيح الشعب العربي الفلسطيني المعذب والذي يعيش دوامة الإبادة الجماعية الأميركية الإسرائيلية على مدار ما يزيد عن 21 شهرا، والمضطهد منذ 1948 ويخضع للمجازر والمذابح والمحارق الإسرائيلية وبدعم واسناد من الإدارات الأميركية المتعاقبة ومن يدور في فلك الغرب الامبريالي، كان الاجدر ترشيحه للحصول على جائزة نوبل للسلام، لأنه دفع فاتورة هائلة من دم اطفاله ونسائه وشيوخه على مدار 641 يوما من الإبادة الجماعية، حيث سقط منه ما يزيد عن ربع مليون انسان بين شهيد وجريح ومفقود ومعتقل، ومازالت دوامة واهوال النكبة الاحدث تدور فوق رأسه. وقبل ان انهي زاويتي، ادعوا لجنة نوبل للسلام للاستقالة، او الغاء الجائزة هذا العام اذا كان ولا بد من فرض رجل البيت الأبيض لها. لأنها إهانة للبشرية وللسلام والتسامح والتعايش بين شعوب الأرض وللقيم الإنسانية وللقانون الدولي.