الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:08 AM
الظهر 12:45 PM
العصر 4:26 PM
المغرب 7:52 PM
العشاء 9:21 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

العبور المُرّ: قصة معبر في قبضة الاحتلال

الكاتب: د. سعيد صبري

في قلب الضفة الغربية، يقف الفلسطيني أمام معبر الكرامة، وهو يحمل في جيبه وثائق السفر وفي قلبه الحنين، ليجد نفسه أسيرًا لساعات طويلة من الانتظار، والتفتيش، والتدقيق الأمني، وسط إجراءات لا تتوافق لا مع اتفاقيات السلام ولا مع كرامة الإنسان. يُعرف المعبر رسميًا باسم “جسر الملك حسين من الجانب الاردني”و"جسر الكرامه فلسطينيا "، ويُعد المنفذ البري الوحيد للفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس إلى العالم الخارجي، عبر الأردن. لكنه فعليًا يقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة، في انتهاك صارخ للسيادة الفلسطينية الموعودة.
نصت اتفاقية أوسلو على أن تكون السلطة الفلسطينية مسؤولة عن إدارة المعبر من الجهة الفلسطينية، بينما يتولى الأردن السيطرة من الجهة المقابلة. غير أن الواقع كشف عن خلل جوهري في التنفيذ: فإسرائيل تسيطر على كل مراحل العبور، من إصدار التصاريح إلى التدقيق الأمني، ما حول “الكرامة” إلى نقطة إذلال يومية.
معاناة يومية تتكرر تبدأ رحلة الفلسطيني عند المعبر قبل أيام من السفر، مع متطلبات التصاريح أو التنسيق الأمني الذي قد يُرفض دون مبرر. وعند الوصول، تبدأ ساعات الانتظار في حافلات مكتظة، في طوابير تمتد لساعات طويلة، أحيانًا تتجاوز 10 ساعات، مع فوضى في الإجراءات وغياب أي رقابة شفافة.
وفي فصل الصيف، تتضاعف الأزمة، إذ يعود آلاف الفلسطينيين من الشتات – لا سيما من الخليج وأوروبا والأمريكيتين – لزيارة أهلهم وأرضهم، في موسم يشكل رافعة اقتصادية مهمة. غير أن كثيرين باتوا يترددون في المجيء، بعد أن تحول العبور إلى تجربة مرهقة نفسيًا وجسديًا.
رقم صادم: نصف يوم لعبور 100 كيلومتر! تُشير تقارير صادرة عن منظمات حقوقية فلسطينية ودولية إلى أن الفلسطيني يحتاج ما معدله من 6 إلى 12 ساعة لعبور مسافة لا تتجاوز 100 كيلومتر من رام الله إلى عمّان، بسبب الحواجز والتفتيش، ناهيك عن رسوم عبور مرتفعة وإجراءات غير ميسرة لكبار السن والمرضى.
انعكاسات اقتصادية خطيرة يمثل المعبر أيضًا رئة تجارية للاقتصاد الفلسطيني، سواء في التصدير أو الاستيراد. لكن القطاع الخاص يعاني من تأخيرات في الشحنات، وقيود إسرائيلية على نوعية البضائع، وإجراءات أمنية تعرقل تدفق المنتجات. هذا يؤثر سلبًا على الأسعار، وعلى انتظام التوريد، ويُضعف ثقة المستثمرين.
كما أن المعبر يُعدّ شريانًا اقتصاديًا خلال فصل الصيف، إذ تضخ عودة الفلسطينيين من الخارج ملايين الدولارات في الأسواق، من خلال الإنفاق السياحي، والعائلي، والاستثماري. ومع تصاعد معاناة العبور، بات كثيرون يعيدون التفكير في زيارة وطنهم، ما يعني فقدان مصدر دخل موسمي مهم.
عوائد مالية مهدورة: فرصة ضائعة للاقتصاد الفلسطيني بحسب بيانات رسمية وتقارير اقتصادية فلسطينية، فإن إيرادات معبر الكرامة من الرسوم والضرائب قد تتجاوز 300 مليون شيكل سنويًا، تشمل رسوم المغادرة، الجمارك، وتكاليف الشحن والخدمات اللوجستية. إلا أن السلطة الفلسطينية لا تتحكم فعليًا بهذه الإيرادات، حيث تذهب معظم العوائد إلى خزينة الاحتلال، الذي يدير الجسر أمنيًا وماليًا. وفي المقابل، تتحمّل الحكومة الفلسطينية النفقات التشغيلية على الجانب الفلسطيني من المعبر دون أن تستفيد من إيرادات متوازنة، مما يعمق فجوة العجز المالي ويفقد الخزينة الفلسطينية مصدر دخل سيادي كان يمكن أن يُسهم في تمويل البنية التحتية أو تحسين الخدمات.
وتُعد هذه العوائد جزءًا من الأموال التي تدخل في خزينة دولة الاحتلال وتصبح معضلة تحصيلها، على غرار أموال المقاصة الأخرى، مما يؤثر سلبًا على قدرة السلطة الفلسطينية في تسديد التزاماتها الشهرية، خاصة في ظل استمرار إسرائيل بفرض خصومات متتالية من أموال المقاصة تحت ذرائع متعددة.
المغتربون الفلسطينيون يترددون في العودة يُقدّر عدد الفلسطينيين في الخارج بما يقارب 7 ملايين شخص، غالبيتهم يحملون جنسيات أجنبية، لكنهم يحتفظ بعضهم بهويتهم الفلسطينية ويرتبطون بوطنهم من خلال الأرض والعائلة والانتماء. يتطلعون إلى زيارة وطنهم أو حتى العودة إليه يومًا ما. غير أن مشاهد الطوابير والتعطيل والإهانة على جسر الكرامة تدفع العديد منهم للعزوف عن العودة المؤقتة، أو حتى التفكير في العودة النهائية، مما يُضعف الروابط الوطنية ويُفقد الاقتصاد الفلسطيني جزءًا مهمًا من مصادره البشرية والمالية.
هؤلاء يشكّلون رأسمال بشري ومالي هائل، يمكن أن يساهم في تنمية الاقتصاد الفلسطيني، ونقل المعرفة، والاستثمار. لكن، بدلًا من جذبهم، تُرسل منظومة العبور الحالية رسالة واضحة: “ابقوا حيث أنتم”.
نحو حلول عملية
الضغط الدولي: يجب تفعيل الجهود الدبلوماسية والحقوقية للضغط على إسرائيل لاحترام الاتفاقيات وتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة المعبر بشكل فعلي.
الشراكة مع الأردن: تعزيز التعاون الثنائي لتسهيل الإجراءات اللوجستية من الجانب الأردني وتوسيع الطاقة الاستيعابية للمعبر.
تعزيز الإدارة من الجانب الأردني: رغم توفر نظام الحجز الإلكتروني للمسافرين، إلا أن الطاقة الاستيعابية في الجانب الأردني، وإدارة تدفق المسافرين القادمين من الضفة الغربية والقدس، ما زالت بحاجة إلى تطوير ودعم لوجستي وبشري يواكب الارتفاع الموسمي في أعداد المسافرين، لا سيما في الصيف.
تمديد ساعات العمل على المعبر لكي تمكن القادمين بالدخول او الخروج من المعبر الحدودي الوحيد بسهولة ورتابة .
بنية تحتية محدثة: تطوير مرافق الانتظار والخدمات في الجانب الفلسطيني والاردني، بما يشمل تحسين التهوية والتكييف، وزيادة عدد دورات المياه، وتوسيع المساحات المظللة. كما يجب توفير أطر إنسانية لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، من خلال ممرات مخصصة وخدمات دعم فوري تسهل عبورهم بكرامة من كلا الجانبين الفلسطيني والأردني.
خاتمة: معبر أم حاجز؟ جسر الكرامة، الذي يُفترض أن يكون بوابة للكرامة، أصبح رمزًا للقيود. وبينما تتحدث الوثائق الرسمية عن سيادة وشراكة، تكشف الطوابير اليومية عن واقع مختلف. وإذا ما أردنا أن نبني اقتصادًا صامدًا ومجتمعًا منفتحًا، فلا بد أن نبدأ من حق المواطن في عبور كريم.
فالمعابر ليست فقط نقاط عبور… بل تعكس فلسفة الدولة، ومقدار احترامها لحقوق الإنسان، ومدى سيادتها على أرضها ومواطنيها.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...