خطوة مهمة...

الكاتب: د. دلال صائب عريقات
في لحظة سياسية حرجة تمر بها القضية الفلسطينية، وسط عدوان، وتجويع وإبادة مستمرة على غزة، ومحاولات لفصل القطاع وتحويله إلى كيان هش، يقابله ضم صامت للضفة عبر الاستيطان والتهجير وفكفكة مؤسسات الدولة، جاء قرار سيادة الرئيس محمود عباس بالدعوة إلى انتخابات مجلس وطني جديد قبل نهاية عام 2025، ليشكل فرصة حقيقية لإعادة بناء التمثيل الوطني الفلسطيني على أسس الشراكة والوحدة.
هذا القرار، في مضمونه وتوقيته، يُعد خطوة مهمة جدًا، تؤكد أن لا سبيل لحماية المشروع الوطني إلا بإعادة تشكيل الإطار التمثيلي الشرعي لمنظمة التحرير، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في الداخل والشتات. هذه الخطوة لتكون فاعلة ومثمرة يجب ان يسبقها حوار وطني جاد، يجمع الكل الفلسطيني حول رؤية موحدة لمواجهة تحديات المرحلة، وتكريس القرار الوطني المستقل.
ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل مشروع فصل دائم، تُفرض معالمه بالدم والتهجير، تحت مسميات "إنسانية" ودعم إقليمي ودولي. وفي الضفة، تستكمل إسرائيل مخططها بتحويل المدن إلى كنتونات، واستباحة الأرض والقرار، في محاولة للقضاء على حلم الدولة المستقلة.
في ظل هذا الواقع، تأتي أزمة احتجاز أموال المقاصة كأداة ضغط مركزي في يد الاحتلال، تُستخدم لإضعاف القيادة الفلسطينية وتطويعها سياسيًا. ومع أن الأزمة المالية الناتجة عن ذلك حقيقية، فإنها لا تبرر الارتباك الإداري، ولا تعفي أحدًا من المسؤولية تجاه الناس. المطلوب اليوم ليس خطاب الشكوى، بل خطة طوارئ فعلية تُعيد ترتيب الأولويات، وترشد الإنفاق، وتعيد الثقة بين المواطن والمؤسسة.
أمام هذا التهديد الشامل، لم يعد ممكنًا استمرار حالة الانقسام السياسي، ولا الانتظار القاتل لحلول خارجية. فالمجتمع الدولي، رغم بعض المواقف المتقدمة من دول مثل إيرلندا وإسبانيا وعدد من دول الجنوب، لا يزال عاجزًا عن وقف جرائم الاحتلال أو محاسبته، في ظل إفلات متواصل من العقاب، وصمت مريب من الأطراف الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
لقد أثبتت التجربة أن التراخي في بناء موقف فلسطيني موحد يُضعف القضية ويفتح المجال لتكريس واقع الاحتلال، وأن القوة الحقيقية تبدأ من الداخل، من وحدة الصف، ومن مؤسسات قائمة على التمثيل والمساءلة والشراكة، لا على المحاصصة والانقسام. ومن هنا، فإن قرار انتخاب مجلس وطني جديد، مكوّن من 350 عضوًا يمثلون الداخل والخارج، يشكل فرصة لتجديد شرعية المنظمة، وإشراك كل مكونات الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الشباب والمرأة والمجتمع المدني. تحقيق هذا الهدف يستدعي تشكيل لجنة تحضيرية جامعة، تمثل الفصائل والمستقلين والشتات، وتعمل بشفافية لإعداد بيئة انتخابية نزيهة وشاملة. كما يجب أن يُبنى هذا المجلس على أساس التزام برنامجي واضح، يستند إلى مبادئ منظمة التحرير، والشرعية الدولية، وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، مع الحفاظ على الاستقلالية في القرار الوطني، بعيدًا عن الإملاءات الإقليمية أو الحسابات الفئوية.
إن اللحظة الراهنة تتطلب إرادة سياسية حقيقية، تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتعيد الثقة بين القيادة والشعب. المطلوب من هذه الانتخابات، تفعيل روح الوحدة، وتجديد العقد الوطني الجامع، والانتقال من إدارة الأزمة إلى بناء استراتيجية تحررية واضحة.
في مواجهة مشاريع التقسيم والفصل، لا بد من استعادة الكلمة الفلسطينية الواحدة، والقرار الفلسطيني الموحد، والمؤسسات الجامعة التي تعبر عن الكل الفلسطيني. فقط عندها يمكن التصدي لما يُفرض علينا من سيناريوهات تصفية، واستعادة زمام المبادرة في معركة التحرر والاستقلال.