الشعب هو مصدر السلطات

الكاتب: مروان طوباسي
قرار الأخ الرئيس محمود عباس بالدعوة لانتخابات مجلس وطني جديد قبل نهاية العام هو تنفيذ لاستحقاق وطني ديمقراطي من حيث المبدأ ، وهو يشكل تطورا لافتا في مشهد سياسي مأزوم طالما افتقر إلى آليات التجديد والشرعية التمثيلية الانتخابية منذ فترة ، بعد نهاية مرحلة من الشرعية الثورية بإجراء أول انتخابات زمن الرئيس الشهيد أبو عمار . إن هذا القرار يشكل استجابة لحاجة الحركة الوطنية الفلسطينية والدعوات الصادرة بهذا الخصوص . إن تنفيذه بجدية وشفافية وبشراكة وطنية حقيقية، سيُمهد الطريق لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة التمثيل الواسع السياسي والأجتماعي ، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كمظلة جامعة وجبهة وطنية عريضة لشعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات ، من أجل إنهاء الاحتلال أولاً ، واستكمال طريق التحرر الوطني الديمقراطي وبناء الدولة ذات السيادة المتواصلة جغرافيا وعاصمتها القدس وفق مبدأ تقرير المصير وحل قضية اللاجئين سندا للقرار الأممي ١٩٤ .
إن تخصيص ثلثي المقاعد للداخل وثلث للشتات يعكس إلى حد نسبي التوازن الديمغرافي والوطني في إطار وحدة شعبنا في كافة أماكن تواجده ، بهدف تكامل الكفاح الوطني العادل للوصول إلى حقوق شعبنا السياسية غير القابلة للتصرف .
ومع ذلك ، يبقى التحدي الأكبر أن يكون ذلك مدخلا حقيقيا للشرعية الوطنية الانتخابية على قاعدة أن "الشعب هو مصدر السلطات"، وفق نصوص وثيقة إعلان الإستقلال ، واستعادة ثقة الناس بالتمثيل الوطني ، وتصويب مسار الأداء الداخلي والحضور الخارجي على كافة الساحات الدولية ، خصوصا في ظل تصاعد التضامن الشعبي الدولي والتحديات الوجودية التي تواجه القضية الوطنية التحررية لشعبنا الفلسطيني ولأحرار العالم معنا .
وهنا ، وحتى تُستكمل الشرعية الانتخابية، فلا بد من التأكيد على أهمية إجراء انتخابات رئاسة السلطة الوطنية والمجلس التشريعي الغائبة منذ عقدين من الزمن ، والعمل على أن تجري بالتوازي كعملية ديمقراطية واحدة واسعة متكاملة مع انتخابات المجلس الوطني .
من جانب آخر ، فقد بات من الضروري اليوم وبشكل فوري انعقاد المؤتمر العام الثامن لحركة "فتح"، ليس من باب الاستعداد لتلك الانتخابات فقط رغم أهميتها ، بل لضرورة استنهاض الحركة بجوهرها السياسي والكفاحي كحركة تحرر ، دون أن يُستبدل دورها إداريا كحزب للسلطة الوطنية أو كتيار وطني ليبرالي دون ضوابط سياسية أو دون الرؤية التي انطلقت "فتح" من أجلها . ومن جانب آخر فإن ضرورة الديمومة والمتغيرات المتسارعة تستدعي أيضا تجديد هيئاتها عبر الانتخابات الديمقراطية والشفافة الداخلية التي نص عليها نظام الحركة ، لتأخذ دورها المفترض في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية التي خاضت غمار الكفاح الوطني وقدمت التضحيات الجسام من أجل حرية شعبنا واستقلاله الوطني وإسقاط المشروع الصهيوني في فلسطين من خلال دحر الأحتلال الاستيطاني الإحلالي أولًا .
ومن جهة ثانية ، فإن على الحكومة الفلسطينية تقييم أدائها وقراراتها الأخيرة بشكل نقدي بما يرتقي إلى مستوى تحديات الأحتلال ومعاناة شعبنا ، وبما يضمن إدارة علمية وشفافة وفق واقع وجودنا تحت أحتلال ، وما يستدعيه ذلك من إجراءات تقشفية في النفقات العامة وتعزيز مفهوم اقتصاد المقاومة ، كما وضرورة وقف دحرجة المواطن نحو مستويات الفقر وأشكال البطالة ، والتوقف عن ربط الرواتب ، وهي حق أساسي للموظف ، وليست منّة من أحد ، بما يسمى بأموال المقاصة الناتجة عن اتفاق باريس الاقتصادي الذي تقادم عليه الزمن ، خاصة في ظل تنكر الاحتلال لكافة الاتفاقيات وسعيه لتقويض دور السلطة الوطنية . إن إعادة رسم العلاقة بأشكالها المختلفة مع الاحتلال كعلاقة صراع وتحرر ، أصبح ضرورة وطنية ملحّة اليوم ، في مواجهة التحديات الوجودية .
بقي أن ننتظر نتائج أعمال اللجنة التحضيرية والتفاصيل التي ستعرضها لإقرارها ، بما يجب أن يضمن مشاركة الكل الفلسطيني ، وفي المقدمة منهم أبناء شعبنا في قطاع غزة الذين ينتظرون – وهم صامدون – حمايتهم ووقف محرقة عدوان الإبادة والتجويع وإسقاط مشاريع التهجير بحقهم أولًا .
إن كافة التحضيرات لانتخابات المجلس الوطني ، كأعلى هيئة في منظمة التحرير ، يجب أن تكون وفق ميثاق المنظمة ونظامها الأساسي وبرنامجها السياسي الذي أقرته المجالس الوطنية في دوراتها المتعاقبة ، وعلى أسس واضحة من الحوار الوطني البنّاء وعلى قاعدة وحدة الشعب والأرض والقضية الوطنية .
إن اجتماع المجلس الوطني القادم على اثر الانتخابات المقررة لعضويته ، لا ينبغي أن يكون محطة إجرائية انتخابية فقط ، بل يجب أن يتمخض عنه مسار سياسي جديد واضح المعالم ، يعيد الاعتبار لجوهر المشروع الوطني الفلسطيني التحرري ، ويرسم ملامح مرحلة نضالية مقبلة تُبنى على أساس وحدة الأرض والشعب والقضية ، وتستنهض أدوات المقاومة بكافة أشكالها السياسية والشعبية ، وتعيد إنتاج التمثيل الوطني على أسس ديمقراطية كفاحية جامعة ، قادرة على مجابهة التحديات الوجودية التي تعصف بقضيتنا في هذا الظرف التاريخي الحرج والمفصلي في مواجهة المخططات الأمريكية الإسرائيلية بالمنطقة .