مكيدة التفاؤل الأمريكي الإسرائيلي

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
على مدى اثنين وعشرين شهراً تقريباً، تعودنا على أن تسارع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى إبداء التفاؤل الحذر والعادي والمتحفظ وغير المتحفظ بقرب التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وتبدأ الأخبار السارة تتلاحق تباعاً لتأكيد هذا التفاؤل وترسيخه، وذلك على مدى أسبوع او أسبوعين، ثم ينتهي هذا التفاؤل دون أي نتيجة، وخلال ذلك كله طبعاً يتم إتهام الطرف الفلسطيني بالتشدد وعدم التعاطي مع المرونة الإسرائيلية، وفي النهاية يتم معاقبة هذا الطرف على عدم ليونته أو مرونته، هذا "الفيلم" تكرر كثيراً خلال الفترة السابقة وما يزال حتى كتابة هذه السطور، فما هي دوافع هذا وأسبابه وأهدافه أيضاً؟ نحاول هنا أن نفكك ملامح هذه الظاهرة قدر المستطاع.
أولاً: إن إبداء التفاؤل وإشاعته بقرب التوصل إلى تسوية تعمي العيون عن عشرات الشهداء الذين يسقطون في القصف والحرق والتدمير وامام مراكز التوزيع، يصبح كل هذا مجرد تفاصيل أو ضرائب مستحقة، لأن هناك تفاؤل، إشاعة هذا الجو من ترقب التسوية تقوم بعملية مريعة، وهي تطبيع العين والسمع والقلب للمشاهد الفظيعة والكوارث المتلاحقة في قطاع غزة، أي يصبح الخبر هو التفاؤل وليس القتل وآلته، وهذه عملية إعلامية معروفة بتحويل الانتباه وتغيير الأولويات.
ثانياً: لا علاقة لإشاعة جو التفاؤل وحقيقة ما يجري من مفاوضات، وهذا يمكن اثباته من خلال تكذيب الطرف الفلسطيني لما يقال، ولامتناع الوساطات العربية عن تأكيده أيضاً، أي أن من يعرب عن التفاؤل هما الطرف الأمريكي والإسرائيلي فقط، وذلك لأهداف محلية، فمن جهة إسرائيل، يريد نتنياهو أن يقول لجمهوره أنه جاد في التفاوض، ولكن الطرف الفلسطيني هو الذي يرفض، أما الأمريكي فيريد أيضاً أن يحصد إنجازات وهمية تقوم على محادثات ثنائية مع الإسرائيلي أولاً، والوهم بإمكانية ممارسة ضغوط لا قبل لأحد بها ثانياً.
تفاؤل الأمريكي تفاؤل متسرع وساذج ويقوم على وهم أن لا أحد يستطيع رفض مطالبه أو شروطه، رغم أن هذا الأمريكي ظهر في عدة مناسبات أنه ضعيف جداً ومحكوم للوبيات الصهيونية بطريقة مهينة.
ثالثاً: الهدف الأهم ربما من مكيدة التفاؤل هي شيطنة الطرف الفلسطيني وإظهاره أمام جمهوره والعالم أنه المتطرف والعنيد والذي لا يتعاطى بمرونة مع المقترحات التي "تتعدل" بشكل مسرحي، التفاؤل هنا وسيلة أخرى من وسائل الحصار والشيطنة والتعرية للطرف الفلسطيني بإظهاره وكأنه يرغب في الانتحار، أو أنه لا يريد الاعتراف بالهزيمة، أو وكأنه لا يرضخ لضغوط الأصدقاء ولا لضغوط الميدان.
إن المسارعة لإظهار التفاؤل وتسريب الأخبار التي تؤكده دون دليل أو تأكيد من الأطراف الأخرى يعني أن هذا التفاؤل جزء من عملية التفاوض وتضييق أطرافها وتحويلها إلى أداة إعلامية ونفسية ضاغطة على الأطراف جميعاً وليس على الطرف الفلسطيني فقط.
رابعاً: استخدام مكيدة التفاؤل متعدد المستويات، فهي كسب للوقت لإطالة الحرب، وبذر للخلاف بين الأطراف الأخرى، ومحاولة ابتزازها وضربها بعضها ببعض، وإحباط الجمهور ودفعه إلى اليأس ولوم الطرف الفلسطيني وتحميله مسئولية الفشل، وظهور المتفائل بالصورة الإنسانية الرفيعة المستعدة "للتنازل" فيما الطرف الآخر هو المتطرف الرافض "للسلام".
كما أن مكيدة التفاؤل هنا تلعب دوراً أساسياً في التضليل الإعلامي والسياسي والأمني، والتخدير والإحباط وإشاعة الفوضى والإشاعة، وهي حالة مفضلة للحكومة الإسرائيلية الحالية لاختطاف القرار وصناعته، وهي حالة التقطتها عائلات الأسرى الإسرائيليين، فضلاً عن الشارع، حيث تتهم نتنياهو دائماً بأنه "كذاب".