الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:13 AM
الظهر 12:46 PM
العصر 4:26 PM
المغرب 7:49 PM
العشاء 9:17 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

إسرائيل وأعباء الجرعات الزائدة!

الكاتب: نبيل عمرو

في السّياسة أمورٌ تشبه ما في الطب، منها مثلاً الأثر العكسي للجرعات الزائدة في العلاج.

نقرُّ ونعترف، ومن خلال الصراع طويل الأمد مع إسرائيل، بأنَّها دولةٌ قوية، فهي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك سلاحاً نووياً، وهي المتفوّقة في مجال السّلاح التقليدي، وقوامه الطيران الذي يستطيع التحليقَ لساعاتٍ في الأجواء، وأن يقصفَ أي مكانٍ تقرّره غرفة العمليات في تل أبيب، وهي المتفوّقة في تحالفها الشامل مع أقوى دولةٍ في العالم، وفي علاقاتها الراسخة مع دول الغرب والشرق من أوروبا إلى روسيا إلى الصين.

ولقد أثبتت قوتَها وتفوقها من خلال قدرتها على تغيير المفاهيم السائدة عنها؛ مثل أنَّها لا تستطيع خوض حربٍ طويلة الأمد، ولا تتحمل خساراتٍ بشريةً فيها، كما لا تقوى على المحاربة على جبهاتٍ متعددةٍ في وقتٍ واحد، فإذا بها تفعل ذلك كله، وفوقه يجري البحث عن جبهاتٍ جديدة، ليس آخرها جبهة السويداء في سوريا، التي هي أحد عناوين ما تسميه جبهة حماية الأقليات في منطقةٍ تكتظّ بها من كل الصنوف والتسميات.

وعلينا ونحن نقرّ ونعترف بكل ذلك، أن نلقيَ نظرةً على جبهات خصوم إسرائيل ومحاربيها، لنرى ازدواجيةً تبدو غير منطقية في تقويم القوة الإسرائيلية، فهي في بعض الأدبيات أوهَى من خيوط العنكبوت، وهي المهزومة حتماً وفق مبدأ انتصار الدّم على السّيف، وأشياء كثيرةً من هذا القبيل، أقل ما يقال فيها أنَّها غير واقعية في تقويم الخصم، وما ينتجُ من خسائر فادحةٍ على الأرض.

غير أنَّ للحقيقة وجهاً آخر يتَّصل بمبدأ القوة المتفوقة، وخساراتها المحققة، بفعل وقوع صنّاع القرار في حالة غرور تعمي البصيرة، وتضلّل الحسابات وتحوّل فائض القوة والتفوق إلى عبءٍ أكثر منه ميزة يُعتد بها ويُبنى عليها، وهذا ما وصفته في مطلع هذه المقالة بالجرعات الزائدة.

فلسطينياً... امتلكت إسرائيل قوةً عسكريةً متفوقة، دمّرت غزة واستوطنتِ الضفة وأدامتِ الاحتلال عقوداً طويلة، قتلت خلالها مئات الألوف واعتقلت أضعافهم، وأعاقت النمو الطبيعي لشعبٍ ومجتمع.

والسؤال: أين هي الجرعة الإسرائيلية الزائدة في كل ذلك؟

إنَّها وفق أدبيات قادتها هي السعي لتصفيةٍ نهائيةٍ لشعبٍ يعد ستةَ عشرَ مليوناً، نصفهم على جغرافيا فلسطين المحتلة والتاريخية، والنصف الآخر ينتشر على سطح الكوكب، ويتحد كل واحدٍ منهم على صفة لاجئ، حتى لو كان رئيسَ دولةٍ في بلادٍ ما.

وفي ثنايا هذه الجرعة الكبيرة، توجد جرعاتٌ لا قبل للتفوق الإسرائيلي على ابتلاعها، منها مليونا فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولم تجدِ الدولةُ المتفوقةُ وسيلةً فعّالة لترتيب علاقةٍ مستقرةٍ معهم، ومنها القدس التي ضمّتها إسرائيل بقرار في أوائل يونيو (حزيران) من عام 67، وسمّتها العاصمة الموحدة للدولة، وأي عاصمة نصف سكانها لا يعترفون بوضعها، ويتحدون مع شعبهم في اعتبار الجزء الشرقي منها عاصمةً لدولتهم الفلسطينية؟ ومنها كذلك التهجير من غزة والضفة، وهو ليس مجرد جرعة زائدة؛ بل هو التحدي الأكبر والدائم الذي أنتجته الملايين التي قررت البقاء على أرضها، حتى لو اضطرت لمكابدة جرائم المستوطنين والجيش واحتوائها وليس الإذعان لها.

الجرعة الفلسطينية الزائدة العصيَّة على الابتلاع فكيف الهضم، تضاف إليها جرعات أكبر بكثير وما هو راهنٌ منها الآن... الجرعة السورية، التي عنوانها حماية الأقليات بتدمير الكيان السوري عبر تقسيمه وتمزيقه، وتشتيت دولته تحت عنوانٍ غير منطقي هو حماية الأقليات؛ والدروز من ضمنها، ذلك دون الانتباه إلى أنَّ الدروز في إسرائيل يعانون كغيرهم من قانون القومية الذي يعدّهم مجردَ سكّانِ أمر واقع ليس أكثر، وكان الدروز هم الأنشطَ ممن اعترضوا عليه وقاوموه.

غير أنَّ الجرعةَ الأكبر بعد الفلسطينية والسورية هي السيطرة على الشرق الأوسط، ورسم خرائط إسرائيلية لكياناته ومجتمعاته ومصائره، وها نحن نرى بأمّ العين، وعبر معطيات الواقع، أين وصلت أحلام السيطرة على الشرق الأوسط.

فإذا كانت غزة التي بمساحةِ مدينة متوسطة استهلكت عامين من حربٍ كبرى دون حسم، فكم من الوقت تحتاجه إسرائيلُ للسيطرة على الشرق الأوسط؟

إسرائيلُ تستند إلى احتياطي أميركي لا غنى عنه في نزاعاتها الداخلية، ولا غنى عن سلاحه في حروبها جميعاً، ولا غنى عن نجدته حين تتورَّط في معركة صغيرة أو كبيرة، وحتى أميركا الكبيرة والقوية والداعمة، لم تعُد قادرةً على التعايش مع جرعات إسرائيل الزائدة، وإذا ما حكّمنا المنطق في تقويم ما يجري، فأميركا لا بدَّ أن ترى يوماً ما في الجرعات الزائدة ورطةً لها، وعبئاً عليها.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...