الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:14 AM
الظهر 12:46 PM
العصر 4:26 PM
المغرب 7:48 PM
العشاء 9:16 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الفتيات في غزة: خصوصية مسلوبة وكرامة منتهكة

الكاتب: بدر زماعرة

في زمن تتحلل فيه الضوابط الأخلاقية تحت وطأة الحرب، وتنهار فيه الحدود بين العام والخاص، لا يبدو انتهاك خصوصية الفتيات في غزة مجرد عرض جانبي للصراع، بل أحد أوجه العنف المركّب الذي تمارسه الحرب على الأجساد، والكرامة، والحياة الداخلية للإنسان.

ففي خضّم الإبادة المتواصلة التي تنتهجها سلطات الاحتلال في قطاع غزة، تُجرد الفتيات من أحد أبسط حقوقهن الإنسانية: الحق في الخصوصية. هذا الحق الذي نصّت عليه المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللتان تؤكدان على "عدم جواز تعريض أي شخص لتدخل تعسفي أو غير قانوني في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته" (United Nation, 1948;1966). ما يُفترض أن يكون حقًا بديهيًا في أوقات السلم والحرب، صار في غزة ترفًا بعيد المنال.

الواقع الميداني يرسم مشهدًا قاسيًا ومهينًا يتناقض تمامًا مع المادتين، حيث وجدت الفتيات اللواتي فقدن منازلهن بفعل القصف والتهجير القسري أنفسهن في مراكز إيواء مكتظة لا تراعي الحد الأدنى من الخصوصية، ولا توفر مساحات آمنة للحركة أو الراحة. المدارس التي تحولت إلى ملاجئ أغلقت باب الخصوصية لصالح الاكتظاظ؛ فتشاركت العائلات الغرف، واضطرت الفتيات لاستخدام حمامات جماعية تفتقر إلى الأمان والخصوصية. أحيانًا، تنتظر الفتيات لساعات أو تضطر للتخلي عن احتياجاتهن الجسدية بسبب الخوف أو الخجل، مما يعمق مشاعر الإهانة ويعزز القطيعة مع الجسد والمحيط.

ولا يقتصر الأمر على غياب الحيز المكاني الآمن؛ بل الخصوصية الجسدية والنفسية والاجتماعية للفتيات تتآكل يومًا بعد يوم. بعضهن يُجبرن على تغيير ملابسهن في أماكن مكشوفة أو النوم في مساحات غير محمية، ما يجعلهن عرضة للمراقبة أو للتحرش المباشر. وهو ما يترك أثرًا نفسيًا بالغًا، ويفقدهن الشعور بالأمان ويعيد إنتاج الصدمة يوميًا.

تضاف إلى هذه المآسي انتهاكات الفضاء الرقمي. ففي ظل غياب نظام قانوني فاعل للحماية الرقمية، تنتشر ظواهر الابتزاز الإلكتروني واستغلال الصور أو البيانات الشخصية للفتيات اللواتي يسعين للتواصل أو طلب المساعدة، ليجدن أنفسهن تحت التهديد أو التشهير دون جهة قادرة على التدخل الفوري أو الحماية.

الأخطر أن الفتيات غالبًا ما يُجبرن على الصمت، ليس خوفًا من المعتدي فحسب، بل بفعل ثقافة العيب والوصمة الاجتماعية، فبدلًا من احتضان الضحية، وتوفير شبكة دعم لها، تُترك وحيدة في مواجهة العار المجتمعي، بل وأحيانًا تُلام على ما تعرضت له في انحراف أخلاقي صارخ عن العدالة والإنصاف.

ومع انهيار منظومة الحماية المجتمعية والمؤسساتية، وغياب الدعم النفسي والخدمات القانونية، تغدو الفتاة الغزية مكشوفة أمام دوائر متتالية من الانتهاك بلا حماية ولا ملاذ.

هذا الانتهاك المزدوج  من آلة الحرب التي لا تفرق بين جدران البيت وحدود الجسد، ومن منظومة اجتماعية وقانونية عاجزة لا تملك إلا أن تفضحهن بدل أن تحميهن، وتدينهن بدل أن تفضحهن- هو فشل أخلاقي وإنساني للمجتمع الدولي الذي أخفق في حماية المدنيين، لا سيما الفئات الأكثر هشاشة، خلافًا لما تضمنته اتفاقية جنيف الرابعة (ICRC, 1949)، التي تلزم قوة الاحتلال بتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال في النزاعات المسلحة.

علاوة على ذلك، تفتقر النساء في مراكز الإيواء إلى أبسط احتياجاتهن الأساسية كالفوط الصحية، ومنتجات النظافة الشخصية، والرعاية الطبية الملائمة، مما يضاعف معاناتهن الصحية والنفسية ويحول كل يوم معركة بقاء جديدة. وفي هذا المشهد المؤلم، تسحق إنسانيتهن تحت وطأة الحرب، وتترك كرامتهن مباحة على هامش صراع لا يرحم. 

في المحصلة، لا تُقاس فظائع الحروب بعدد القتلى فقط، بل بما تسرقه من إنسانية البشر وهم أحياء. وحين تُسحق خصوصية الفتيات في غزة، فإننا لا نخسر مجرد حق قانوني، بل نخسر قدرتنا الجمعية على النظر في المرآة دون خجلٍ من صمتنا.

بدر زماعرة
باحث في القانون الدولي والمدير التنفيذي لمنتدى شارك الشبابي

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...