السعودية تَقود

الكاتب: جهاد حرب
أظهر إعلان مؤتمر نيويورك نجاعة الماكنة الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية في قيادتها للجهود الدولية عبر رئاستها المشتركة "للمؤتمر الدولي رفيع المستوى للأمم المتحدة بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حلّ الدولتين" ومدى تأثير المملكة على المستوى الدولي كرائدة دولياً وليست فقط إقليمياً. فقد فرضت رؤيتها الخاصة بالتعامل مع المسألة الفلسطينية في اتجاهين رئيسيين تَضَمَنَهُما البيان الختامي للمؤتمر بشكل واضح لا لبس فيه، هما؛ الأول: أنّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية يساهم في حماية خيار حل الدولتين الذي يتطلب تنفيذه آجال زمنية محددة وخطوات ملموسة، والثاني: أنّ التطبيع يأتي بعد إقامة الدولة الفلسطينية. هاتان المسألتان.
جاء هذا التأثير عبر جهود واسعة ومضنية سلكها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في تحركاته وقيادته للجنة العربية الإسلامية المنبثقة عن قمة الرياض، وهي جهود دفعت الموقف الفرنسي وعدد من دول الغربية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية للمساهمة في مسار سلمي قادرة على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مبني على ثبات الرؤية السعودية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خطة الأمير فهد للسلام عام 1981 ومبادرة ولي العهد عبد الله للسلام "مبادرة السلام العربية" عام 2002، وعلى ديناميكية التحرك الدبلوماسي والفعل السياسي الناجم عن القيادة السعودية الشابة.
إنّ الدور السعودي الناهض في العلاقات الدولية كلاعب إقليمي ومؤثر دولي أتى استكمالا لرؤية المملكة لدورها المستقبلي، وتعزيزاً للتحولات العميقة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة، وانسجاماً مع رؤية السعودية 2030 لولي العهد محمد بن سلمان. وإدراكاً من القيادة السعودية بأنّ تبني أو قيادة الجهود المتعلقة بالقضية الفلسطينية، أي الانتقال من الاكتفاء بالدعم السياسي والمالي للجهود الخاصة بالقضية الفلسطينية إلى قيادة هذه الجهود يعزز قوتها الإقليمية والدولية.
في ظني أنّ تتويج الجهد السعودي هذا يحتاج إلى استكمال الإمساك بتلابيب الفلسطينيين عبر مسارات ثلاث، الأول: الرمي بثقل السعودية في إحداث اختراقٍ جوهري في استعادة الوحدة الفلسطينية، والثاني: إعادة قدرة السلطة الفلسطينية على الحياة عبر تدخلات اقتصادية ومالية لتمكينها، والثالث: رعاية جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة عبر إصلاح جدي وجوهري مطلوب فلسطينياً منسجماً مع القواعد الدستورية المجسمة في القانون الأساسي المعدل، والشرعية الشعبية للمؤسسات السياسية عبر الانتخابات.