نقابة الأطباء تقرع الخزّان: تخمة خريجين… وشح التدريب، فأين تقف الدولة من أزمة الطب؟

الكاتب: بدر زماعرة
هل يُعقل أن يقضي الشاب الفلسطيني ما بين 7 إلى 13 عامًا من عمره في دراسة الطب، يستنزف خلالها أموال عائلته وجهده وأحلامه، ثم يجد نفسه في النهاية واقفًا أمام أبواب المستشفيات لا بصفته طبيبًا، بل باحثًا عن فرصة تدريب قد لا تأتي أبدًا؟
وهل باتت شهادة الطب في فلسطين بمثابة بطاقة عبور إلى طابور البطالة بدلًا من مدخل لغرف العمليات؟
هذه الأسئلة ليست تنظيرًا أكاديميًا، بل صرخة واقعية أطلقتها نقابة الأطباء – مركز القدس، في بيان رسمي صدر بتاريخ 27 تموز 2025، والذي كشف عمق الأزمة الهيكلية التي يعاني منها قطاع التعليم الطبي والتشغيل الصحي في فلسطين. البيان لم يكتفِ بالتحذير، بل قدّم أرقامًا ووقائع تضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
بحسب نقابة الأطباء، فإن أكثر من 4000 طبيب فلسطيني يقفون اليوم على لائحة الانتظار للحصول على فرصة تدريب امتياز، في حين أن الطاقة الاستيعابية السنوية للقطاعين العام والخاص لا تتجاوز 900 طبيب فقط.
أي أننا نتحدث عن فائض بأربعة أضعاف ما يمكن للنظام الصحي أن يحتمله سنويًا.
ورغم هذا الواقع المرير، لا تزال كليات الطب، داخل وخارج فلسطين، تفتح أبوابها لعشرات بل مئات الطلاب الجدد سنويًا، دون أي تنسيق مع وزارات الصحة أو التعليم العالي، ودون وجود خطة وطنية واضحة تُحدد الاحتياج الفعلي للقطاع الصحي.
البيان أشار بوضوح إلى أن أكثر من نصف خريجي كليات الطب لا يجدون فرصة التدريب السريري اللازم، ما يجعل شهاداتهم غير مكتملة من الناحية العملية. بل الأخطر من ذلك، أن بعض هؤلاء الخريجين يضطرون إلى الهجرة أو تغيير تخصصهم أو العمل في مجالات لا تليق بمؤهلاتهم بعد سنوات طويلة من الدراسة والإنفاق.
وإلى جانب الخريجين المحليين، يُضاف الضغط الناتج عن آلاف الطلبة الدارسين في الخارج، خاصة في دول الإقليم، ممن يطالبون بتدريب امتياز لمدة 24 شهرًا داخل كليات الطب الفلسطينية، بعضها خريجو برامج دراسية لا تتجاوز 5 سنوات.
السؤال المركزي الذي يطرحه بيان النقابة، ويؤكده الواقع: من المسؤول عن هذا الانفلات؟
من خطط لهذا الفائض دون أن يؤمّن له حدًا أدنى من التنظيم؟
من سمح بتحويل الطبيب من نخبة تعليمية إلى رقم في طابور الانتظار؟
وأين دور الدولة ومؤسساتها في إدارة هذا الملف المهني والإنساني والوطني؟
أزمة بنيوية تتطلب حلاً وطنيًا
المؤلم أن هذا المشهد لا يُعد أزمة عارضة، بل نتيجة لتراكمات طويلة الأمد، من غياب قاعدة بيانات دقيقة، إلى ضعف في ضبط أعداد المقبولين، إلى ضعف التنسيق بين الجهات الأكاديمية والقطاع الصحي.
لقد آن الأوان لأن تضع الحكومة الفلسطينية خطة وطنية عاجلة وشاملة تشمل:
ضبط أعداد المقبولين في كليات الطب بما يتناسب مع احتياجات القطاع الصحي؛
تطوير برامج تدريب واضحة وموزعة جغرافيًا وعادلـة؛
إنشاء قاعدة بيانات مركزية تُحدث سنويًا وتُشارك بها النقابة والوزارات ذات العلاقة؛
وإطلاق مبادرة لدعم الأطباء العاطلين نفسيًا وماليًا ومهنيًا.
وقف ترخيص كليات الطب في الجامعات الفلسطينية .
ختامًا: إن تجاهل هذه الأزمة سيؤدي إلى تفريغ الوطن من نخبه الطبية، وترك الآلاف من الشباب في حالة ضياع مهني ونفسي.
فهل من قرار جريء قبل أن يصبح الطبيب نفسه بحاجة إلى علاج من إحباطه؟
وهل من صوت رسمي يعيد للطبيب الفلسطيني مكانته، قبل أن نفقد الثقة بمستقبل المهنة نفسها؟
إرسال الأطباء إلى غزة بعد وقف الحرب: حلّ وطني جزئي يُعزز الحق في الصحة والعمل.