الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:26 AM
الظهر 12:45 PM
العصر 4:25 PM
المغرب 7:39 PM
العشاء 9:03 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

قراءة في تسونامي الاعتراف بدولة فلسطين

الكاتب: د. دلال صائب عريقات

يشهد ملف الاعتراف بدولة فلسطين انقسامًا واضحًا يعكس تعقيدات الجغرافيا السياسية والمصالح الاستراتيجية. حتى الآن، اعترفت 12 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي بفلسطين، بينما لا تزال 15 دولة أخرى تتردد في اتخاذ هذه الخطوة رغم تأكيدها دعم حل الدولتين.

في قصر فرساي، وخلال مؤتمر باريس للسلام عام 1919، وُلدت شعارات العصر الحديث حول تقرير المصير للشعوب، مستلهمة من المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون التي شكّلت حجر الأساس لحق الشعوب في تقرير مصيرها كركيزة أولى لتحقيق السلام والاستقرار. وها قد اعلن الرئيس الفرنسي ماكرون عن نيته بالاعتراف في أيلول خلال اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك وشهدنا "تسونامي" دبلوماسياً لنوايا دول عظمى للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ردود فعل تعكس ازدواجية المواقف بين الاعتراف والدعوة لحل الدولتين على حدود ١٩٦٧ أو التردد الذي يجسد ازدواجية المعايير ودعم الصهيونية وإرهاب دولة الاحتلال. تاريخيًا، العالم منقسمً بشأن مسألة الاعتراف بفلسطين، وهو ما يعكس ارتباطات تاريخية مختلفة ومستويات متفاوتة من التبعية للمواقف الإسرائيلية أو الأمريكية.

اليوم، مع تصاعد الخطاب الأمريكي الذي ينكر حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ويدفع نحو شرعنة الضم والاحتلال والتهجير، وبعد فرض عقوبات بعدم اصدار فيزا لممثلي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، يجد الأوروبيون أنفسهم أمام اختبار حقيقي: هل يبقى موقفهم محصورًا في الإدانات والبيانات الدبلوماسية، أم أنهم مستعدون للانتقال إلى سياسات حقيقية تدعم الحق الفلسطيني؟

بيان وزراء الخارجية الـ15 بعد أكثر من عامين من حرب الإبادة والجرائم والانتهاكات التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية في فلسطين، كل أعضاء المنظومة الدولية عليهم التزامات قانونية وقد يلاحقون قضائيا في محاكمهم المحلية والمحاكم الدولية وهذا قد يبرر صدور بيان مشترك لخمسة عشر وزير خارجية من أندورا، أستراليا، كندا، فنلندا، فرنسا، آيسلندا، إيرلندا، لوكسمبورغ، مالطا، نيوزيلندا، النرويج، البرتغال، سان مارينو، سلوفينيا وإسبانيا يدعو لحملة للاعترافات بالدولة الفلسطينية مع اجتماع الجمعية العامة في نيويورك سبتمبر المقبل. 

تم افتتاح البيان بإدانة ما وصفه بـ"الهجوم الإرهابي البشع" في 7 أكتوبر، دون الإشارة المتوازنة إلى سياق الاحتلال المستمر والجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين منذ سبعة عقود، مما يوحي بأن هذه الدول ما زالت تقدّم تبريرًا سياسيًا ضمنيًا لإسرائيل. هذا التوازن المختل في صياغة المواقف هو ما يُضعف أثر أي مبادرة لاحقة تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني.

البيان بدا في ظاهره خطوة متقدمة على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنه في جوهره يعكس سياسة العصا والجزرة – الأخذ والعطاء التي لطالما وُجهت للقضية الفلسطينية تحت إطار دبلوماسية القسر والضغوط والإملاءات المتكررة.

فبدلاً من التعامل مع مسألة الاعتراف باعتبارها حقًا أصيلًا لشعب لا يقبل التفاوض على وجوده وحقوقه، جاء البيان محمّلاً بجملة من الإملاءات المبطّنة. الوزراء رحّبوا بالتعهدات التي أعلنها الرئيس محمود عباس في 10 يونيو/حزيران 2025، لكن هذه التعهدات - التي تضمنت ست نقاط محددة - لا يمكن قراءتها خارج إطار شروط سياسية ستُستخدم لاحقًا كورقة ضغط على الرئيس الفلسطيني:

    1. إدانة هجمات 7 أكتوبر 2023.

    2. الدعوة إلى الإفراج عن الرهائن ونزع سلاح حماس.

    3. إنهاء مخصصات الأسرى.

    4. إصلاح النظام التعليمي.

    5. الدعوة إلى انتخابات خلال عام لتجديد الشرعيات.

    6. القبول بمبدأ الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح.

لا يمكن تجاهل أن هذه النقاط سُجّلت في البيان بشكل واضح، بما يجعلها مُلزمة سياسياً في أي مسار دبلوماسي لاحق. ومن هنا تكمن خطورة المرحلة: الثمن الذي يُطلب مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو المزيد من الالتزامات على الفلسطينيين بدلًا من محاسبة إسرائيل على جرائمها.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أهمية خطوة الاعتراف نفسها. فالدبلوماسية تتطلب اليوم موقفاً فلسطينياً رسمياً يُشيد بهذه القرارات، لكنه في الوقت ذاته يضع شرطاً واضحاً وزمنياً لإنهاء الاحتلال كمدخل وحيد لأي مسار سلمي استراتيجي: إنهاء الاحتلال خلال إطار زمني محدد، وفقاً لما نص عليه الرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية.

أما الحديث المتكرر في البيان عن "اليوم التالي لغزة"، فيجب أن يكون مسألة فلسطينية خالصة، يحدد ملامحها الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته، لا وفق وصفات مفروضة من الخارج أو إقصاء مسبق لأي طرف سياسي.

الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية إن تحقق، سيمثل خطوة مهمة على الطريق الطويل نحو الحرية والاستقلال. لكن النجاح الحقيقي لن يتحقق إلا عندما تبقى البوصلة واضحة: الاحتلال هو أصل المأساة، وإنهاؤه هو المدخل الحقيقي لأي سلام عادل ودائم، بعيداً عن مقايضة الحقوق بالشروط.

الواقع يتطلب من هذه الدول أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية عبر فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على إسرائيل، وربط أي مسار تطبيع أو علاقات طبيعية بإنهاء الاحتلال، بدل الاكتفاء بالبيانات. كما يجب أن يُفرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية كحقيقة سياسية وقانونية للضغط على إسرائيل ووقف إفلاتها من العقاب على الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني.

على مدار العقود الثلاثة الماضية، ظل الخطاب الأجنبي ملتزمًا بحل الدولتين، بينما تواصل إسرائيل فرض وقائع استعمارية على الأرض الفلسطينية قوضت أي فرصة للسلام او حل الدولتين مع إفلات كامل من العقاب بسبب الحصانة التي تتمتع بها دولة الاحتلال من المجتمع الدولي وعلى راسها الولايات المتحدة التي يوفر الغطاء القانوني والمالي والعسكري لإرهاب الدولة المنظم. فعدم اتخاذ أي إجراءات عقابية أو دبلوماسية قسرية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية يعد ترفًا سياسيًا ومماطلة دبلوماسية تشتري الوقت للمشروع الكولونيالي الاستيطاني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

ما بعد الاعتراف، هناك عدة خطوات يمكن أن تتخذها الدول لتعزيز موقفها، منها:

1. فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل كدولة احتلال ومقاطعة ومحاسبة الاستيطان.

2. الاعتراف الكامل بفلسطين كدولة ذات سيادة على حدود 1967، بدلًا من الاستمرار في المراوغة الدبلوماسية.

3. احترام الأدوات القانونية الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، بدلًا من الاكتفاء ببيانات الإدانة.

4. تحديد حدود اسرائيل المعترف بها دوليًا، بدلًا من السماح لها بالتمدد على حساب سيادة دول الجوار دون رادع.

5. فرض الحقائق القانونية والأممية بالتعامل مع دولة الاحتلال ووقف التسليح والافلات منن العقاب.

الاعتراف بالدولة بداية المسار لا نهايته، الدولة وتقرير المصير هو حق محفوظ للشعب الفلسطيني غير قابل للتصرف، وبعد التطورات القانونية والدبلوماسية وخاصة قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لارتكابها جريمة الإبادة، ازدادت مسؤولية كل الدول الأعضاء وأصبحت في مرمى الاتهام والملاحقة القانونية، أعضاء المجتمع الدولي أمام التزامات أخلاقية وقانونية غير مسبوقة. لا يمكن إنكار أهمية الاعتراف بفلسطين كخطوة دبلوماسية، لكنه لا ينبغي أن يكون غاية بحد ذاته. المطلوب اليوم هو أن ترافق هذا الاعتراف سياسات حقيقية قادرة على فرض وقائع جديدة تعيد للقانون الدولي اعتباره وتحقق العدالة للشعب الفلسطيني. فإذا أرادت هده الدول أن تكون شريكًا حقيقيًا في السلام، فعليها أن تتجاوز الشعارات وتتجه نحو مواقف تترجم مبادئها إلى أفعال ملموسة، خاصة في ظل تصاعد التحديات التي تواجه الحق الفلسطيني في تقرير المصير نتيجة للسياسات الأمريكية الأخيرة. وبالعودة إلى علم السياسة، فإن الاعتراف الدولي خطوة مهمة، لكن السيادة على الأرض تبقى الهدف الأسمى للدبلوماسية والعمل السياسي لتجسيد حقوق الشعوب، ولن يتحقق ذلك بالاكتفاء بالبيانات أو انتظار التزامات لا تُترجم إلى أفعال. في عيون الشعب، كل هذه التطورات الدبلوماسية لا تحرك ساكناً ما دام يعاني من القهر والظلم والتجويع والحرمان والعنصرية والإرهاب والإبادة في ظل الاحتلال

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...