سوء تغذية أم مجاعة

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

يجب أن نكذب كل التقارير الصادرة عن الهيئات الدولية التي تؤكد أن هناك مجاعة في قطاع غزة، ويجب أن نكذب أعيننا أيضاً عندما نرى الأطفال والشباب والحوامل والعجائز يموتون بسبب الجوع أو التجويع، ويجب علينا أيضاً أن لا نصدق الناس في القطاع، الذين يصرخون من أعماق قلوبهم بأنهم جوعى، وأنهم بحاجة إلى مساعدة القريب والبعيد، علينا أن نكذب كل هؤلاء ونصدق ستيف ويتكوف الذي زار أحد مراكز توزيع المساعدات التي تقدمها مؤسسة غزة الإنسانية، لم يذهب ويتكوف وحيداً إلى هناك، بل رافقه سفير أمريكا في إسرائيل هاكابي، وهو رجل صاحب آراء وأهواء ورؤى مشيحانية عجيبة، وبعد الزيارة، صرح ويتكوف أن غزة تعاني من سوء تغذية فقط، ليس أكثر أو أقل، يستطيع كل مواطن في غزة أن يحصل على ما يريد، ولكن هناك بعض النقص في أطعمة معينة أو مكملات غذائية مفقودة.

ما قاله ستيف ويتكوف يعني أنه لا يريد أن يستمع أو يصدق ما يقوله الناس هناك، ولا الصور ولا الهيئات الدولية ولا المنظمات الأهلية، ولا أي طرف على الإطلاق، الرجل ذهب إلى هناك ليرى ما يريد، وليؤكد الوضع الذي يريد، كانت أهداف زيارته مشبوهة تماماً، وقد كانت للأسباب التالية:

أولاً: ليرفع الحرج والمسؤولية عن إدارة ترامب أمام الجمهور الأمريكي وأمام العالم كله، أنها لا تساهم ولا تدعم تجويع غزة، وأنها معنية في تقديم الدعم والمساعدة.

ثانياً: ليدعم ادعاءات إسرائيل أنها لا تقوم بتجويع قطاع غزة على الإطلاق، فهناك مساعدات تدخل ولكنها لا تصل إلى مستحقيها، زيارة ويتكوف تأتي في هذا الصدد لتأكيد كل أقوال إسرائيل وادعاءاتها.

ثالثاً: لتحميل الضحية المسؤولية، بمعنى أن المسؤول عن التجويع هم حماس واللصوص والتجار والبلطجية والسلوك الفوضوي في الحصول على المساعدات، أو كل ذلك مجتمعاً، فعلياً قام ويتكوف بفعل ذلك تماماً، سوء التغذية ناجم عن سلوك الضحية الهمجي وعن الاحتكار والمصادرة والنهب، وبذلك يغسل يديه وأيادي إسرائيل من مسؤولية عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها.

رابعاً: لتحويل أنظار العالم إلى مسألة التجويع دون النظر إلى القتل المستمر والتدمير المستمر وتعثر المفاوضات، هذه زيارة هدفت، ضمن أُمور أُخرى، إلى تحويل الوضع وتصويره على أنه أزمة إنسانية ليس إلا.

خامساً: زيارة ويتكوف بهذا الشكل وبهذه النتائج أعطت إسرائيل ما تحتاج من وقت، ورفعت عنها الانتقادات، إذ أنها لا تجوع القطاع وبالتالي يمكنها الاستمرار بالقتال ما دام أن حماس متطرفة ومتشددة، هذه زيارة تبطل حجة حماس التي تقول أن لا مفاوضات دون تحسن الأوضاع في القطاع، بهذا المعنى تبدو زيارة ويتكوف وكأنها جزء من عملية التفاوض وشيطنة الطرف الفلسطيني بالكامل.

سادساً: زيارة ويتكوف تقول فعلياً أنها مع استمرار عمل مؤسسة غزة الإنسانية، رغم كل الاعتراضات الدولية، ورغم ما قيل ورصد عن جرائمها بحق 1400 شهيد وعشرة آلاف جريح وأكثر، لا ذنب لهم سوى أنهم صدقوا أن هذه المؤسسة إنسانية، ويتكوف بزيارته تلك، يدعم هذه المؤسسة ويدعم أفعالها، حتى لو لم يصرح بذلك.

سابعاً: بزيارته هذه إنما يرسل رسالة للعالم كله أن أمريكا الوحيدة التي بيدها الحل والربط، وأن على العالم أن يدعم سياساتها وأن يساعدها فيما تقدمه لقطاع غزة، وأن أمريكا هي التي تقرر فيما إذا كان في القطاع سوء تغذية أم مجاعة، وما دام ويتكوف قد أكد أن الوضع ناتج عن سوء تغذية، فعلى العالم أن يصدق ذلك.