غازي حمد وقلبُ التاريخ؟!

الكاتب: بكر أبوبكر
من المفهوم أن تتمسك "حماس" بأفكارها وطروحاتها خاصة في ظل انهيار كامل لها في غزة وخارج غزة نتيجة العدوان الصهيوني البشع الذي حرّك كل مكامن الحقد الصهيوني في وجه الأمة ككل. ولما كان نتيجة الفعل في 7 أكتوبر قد حرّك المياه الراكدة حسب غازي حمد فإنه للأسف بالمقابل فتح صفحة سوداء للإبادة ضد الشعب الفلسطيني بمعنى أن ما كان يفترضه قادة "حماس" تحريكًا للأمة و"محور الممانعة" قد أدى لخروج كامل المحور من المعادلة وعلى رأسه إيران وحزب الله.
بقي الشعب الفلسطيني يعاني من 3 أمور الأول: هو الكارثة والمذبحة الكبرى والنكبة الأعظم نتيجة العدوان الصهيوني على غزة وشعبها الفلسطيني الأبيّ من جهة، وبالضفة الفلسطينية حيث سرقة للأرض واستعمار متجدد وقهر وعربدة إرهابية وقتل لا يتوقف.
الفكر الاسلامي فكر إنساني وليس إسلاموي
وثانيًا: نتيجة تكلس وتحجّر فكر فصيل "حماس" عند حدود الحزبية المقيتة، والتمسك بشعارات فقدت قيمتها، ما جعل انسانية الشعب الفلسطيني مجرد أرقام أو أدوات أولاجئين لا قيمة لهم (هم خسائر تكتيكية، ولهم "الأنروا" ولنا الأنفاق، ومال حماس لحماس فقط، وحقنا أن نأخذ (نسرق) المساعدات، وحتى آخر طفل سنقاتل مما قاله قادة حماس للأسف)، مما يضرب الفكر الاسلامي العام (وليس فقط الحزبي الاسلاموي) بالصميم، وهو الفكر المرتبط بالمصالح والمفاسد وأولوية النفس وعظمها، وتقدير الظرف واختيار الوسيلة الأمثل وليس التحجر والتوقف عندها حتى لو كان نتيجتها دمار شامل وإفناء الشعب كما يحصل.
اما ثالثًا فإن الشعب الفلسطيني الذي ضاق ذرعًا بالاحتلال منذ وطأت قدمه أرض فلسطين حتى اليوم جرّب العديد من وسائل الثورة والمقاومة ولم تكن البندقية فقط-على عكس ما يرمي إليه حمد- هي ما حقق المكاسب لفلسطين داخليًا وخارجيا. فلك النظر بدور الاعلام الملتزم، والعلماء، وريشة الفنان، والممثل وراقص الدبكة والمغني والمنشد، وقلم الكاتب والباحث، والمهتم، والقانونيين والسياسة والدبلوماسية كأساليب مقاومة ونضال لم تكف ترفد قضية الشعب الفلسطيني ومع ذلك وكل ذلك فإن ضيق فئات من الشعب الفلسطيني من جمود الوضع بالضفة وانهياره تحت أقدام المتطرفين الإسرائيليين مما لا يمكن إنكاره كما لا يمكن أنكار تقصير السلطة الوطنية الفلسطينية رغم الفارق الكبير في معادلة الثمن الباهظ جدًا التي يدفعها الفلسطيني في غزة مقابل تحرك من خط وسط غزة الى خط شمال خانيوس....الى رفح الخ مما يدور في المفاوضات بين "حماس" والإسرائيلي المعتدي والمحتل.
مقاومة الشعب الفلسطيني قبل "حماس" وغيرها
النقطة الرئيسة هنا أنه مع التقدير لوجهة نظر غازي حمد، واختلافنا مع نظره، الا أن افتراض أن الثورة والمقاومة بدأت مع فصيل "حماس" فيها افتئات على التاريخ ومغالطة كبرى جدا (كما فهمنا من لقائه مع قناة الجزيرة القطرية 2/8/2025م) فلم يكن بمقدور حركة فتح أن تقول أنها أول الثورة رغم أنها بدأتها (بالتاريخ المعاصر) تأسيسًا بعد النكبة عام 1948 وما كان من الانطلاقة عام 1965م، حيث لم يكن هناك لا "حماس" ولا "جهاد".
إذ أن الفكر الصحيح أن العربي والعربي الفلسطيني هو مجاهد مقاوم مناضل بطبعه منذ أول هجرة يهودية منظمة لفلسطين عام 1882 وبأشكال مقاومة ونضال مختلفة، بمعنى لا يجوز لحركة التحرير الوطني الفلسطيني- "فتح" الادعاء أنها من كرست المقاومة بالشعب الفلسطيني، رغم أنها كرست الكثير الآخر الإيجابي الذي منه سُباعية: الفكر الوطني الوحدوي والوسطي والتحرري والاستقلالي، والدولة الديمقراطية المدنية التشاركية، الذي أصبح يمثل جلّ الشعب الفلسطيني إلا من أبى! وعليه لا تستطيع "حماس" الناشئة متأخرة عن الركب المقاوم كمضاد لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تدعي أنها أول الثورة أو المقاومة أو الجهاد.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية من أبوعمار الى 2012م
يقول غازي حمد نصًا: "سلاح المقاومة هو الذي جاء بالاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية، وفتح عيون العالم على القضية الفلسطينية وعرّى "إسرائيل" أمام العالم، وقبل 7 أكتوبر لم يبحث العالم عن القضية الفلسطينية، والخيار أمام الشعب الفلسطيني هو أن يقاوم."!؟ وهذا قول حق بالجزء الأول منه حيث أن الخيار أمام الشعب العربي الفلسطيني المقاومة والثورة والكفاح، نعم بكل أشكالها. وبذا فهو قول منقوص حينما يشير لفصيله فقط والوسيلة الحالية التي فقدت أثرها الإيجابي، وكأنها المقصودة فقط.
لا يشير الأخ د.غازي حمد لحقيقة أن الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية وقبلها القضية الفلسطينية كان بقوة المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة فتح، وكافة الفصائل ضمن المنظمة، وياسر عرفات (أبوعمار) الذي لا يجوز لأحد القفز على انجازاته حين صرخ عام 1965 قائلًا: هاهي فلسطين صعدت من بين الركام، فلن نقبل أن تظل قضية لاجئين فقط في أدراج الأمم المتحدة أوأداة لمصالح الأنظمة العربية. ومنذ العام 1974 وخطابه التاريخي الشهير بالأمم المتحدة، ثم اعتراف العالم بدولة فلسطين منذ اعلان الاستقلال عام 1988 (وليس عام 2025 أو 2023م كما يلمح القائل ارتباطًا بمباغتة 7/10) وما تلاه من الاعتراف كدولة عضو مراقب عام 2012، بجهود الرئيس أبومازن والفريق المثابر وعلى رأسه المفاوض الواعي د.صائب عريقات رحمه الله، ولم يكن للعمل المسلح وحده أن جعل من الأمر ممكنًا بل كان وراءه الكثير من الجهد العقلي والفهم، ونسج العلاقات العربية والعالمية، والقدرة العملية للروّاد والثوار على استثمار الظروف والتحالفات، والحكمة في القرار وتقدير الموقف، والأسلوب الصحيح في الظرف الصحيح كحال الانتفاضة الفلسطينية السلمية (1987-1993م) التي انتجت بوعي قادتها بالداخل والخارج الاعتراف العالمي، وليس "حماس" بالتأكيد.
المقاومة من نجيب نصار الى القسّام الى ياسر عرفات الى اليوم
عملية تضخيم الأثر (الايجابي) للسابع من أكتوبر (طوفان الأقصى الذي تحول لطوفان تهجير وإبادة وقتل مرعب وجوع وإبادة، فلا أقصى تحرّر ولا غزة تقدمت ولا فلسطين ستشرق....) تحتاج لحُسن قراءة للإيجابيات وللسلبيات (ناهيك عن اعتراف "حماس" الأول بخطيئة فوضى قتل المدنيين اليهود بكتيّبها الذي برّر الحدث عام 2023م، فتحولت لفصيل منبوذ عالميًا لذلك ورغم ذلك الى اليوم) وتحتاج لحُسن قراءة من حيث أن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وحفظ النفس أولى في ظل الاختلال الفظيع بالموازين. وحيث كان من المتوجب على القائد المذهول من حجم ردة الفعل والإجرام الصهيوني الذي فقد تناسبيته الفظيعة بالرد الى الإبادة أن يقف ليفكر جيدًا وينتقد ذاته ويستجمع شتاته فكل جولة فاشلة قد يعقبها جولات، ويتراجع ليقف مع حياة شعبه وكرامته لا مع موته المجاني (تحت مسمى سلبي جدًا أنه الصبر! أو بتصوير الموت واجبًا بلا حول ولاقوة بالقول شهادة!؟) بلا أي ثمن إلا فداء لبقاء الحزب الذي لا قيمة له (أكان حماس او الجهاد او الشعبية او فتح او غيرهم...) في ظل أن الشعب الفلسطيني هو الأصل وصموده وثباته وحياته وحريته في بلده بكافة الوسائل هي المطمح .
إن افتراض فكرة المقاومة أو الثورة أو الكفاح بحصرية البندقية مرتبطة ب"حماس"! فكرة ساقطة تاريخيًا، ولك النظر في المقاومة بالكلمة (كلمة حق عند سلطان جائر) منذ بدأت مع نجيب نصار عام (1908) وتأسيس "الكرمل" أول صحيفة فلسطينية وفي حيفا أيام الاحتلال الانجليزي الغادر، ثم آخرين وصولًا لقائد المقاومة عبدالرحيم الحاج محمد، وابراهيم أبودية والحاج أمين الحسيني، وعزالدين القسام والشيخ فرحان السعدي وبهجت أبوغربية والشيخ أسعد الشقيري، والشيخ خلوصي بسيسو، وعبدالقادر الحسيني ثم جورج حبش، وياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وصحبهم المغفور لهم أجمعين...، ومن شاركهم الجهاد من أمة العرب وأحرار العالم وفيهم اليهود الأحرار.
إذن فكرة النضال أو المقاومة مرتبطة بفصيل "حماس" أو أي فصيل حصريًا هي قلب للتاريخ وهي فكرة ساقطة معرفيًا فالمقاومة أو الجهاد أو النضال أو الثورة كفكرة تُفهم بكل أشكالها مما ذكرنا بما فيها اللاعنفية والجماهيرية، فلا ينفع تكرارها (لتعظيم الارتباط بفصيل حصري) ليسقط في وعي الناس ثنائية الفضائيات العرب-صهيونية أن المقاومة مقابل المساومة أو فكرة الفسطاطين أو المعسكرين حيث الحق بجانب والشر والباطل في جانب.
ليس من المقبول أن يتم حصر نضالات الشعب الفلسطيني لأكثر من 100 عام بفصيل مستحدث جاء متأخرا واستخدامه أدوات مجربة لوقت مختلف كليًا، ويعتقد أن إصراره الصنمي على التمسك (بسلاحه) الذي بالواقع لا قيمة له وتهاوى فعليًا، إذ لا يستطيع الدفاع لا عن أرض ولا عن شعب ولا عن لقمة خبر! فما هو هذا السلاح وكيف يفهم ضمن هذه المعادلة الا لتثبيت وجود الفصيل، وله أن يطالب بوجوده نعم ولكن ليس على حساب الموت المجاني اليومي للشعب الفلسطيني (الذي يُحضّ عليه! بفضائيات ومواقع الفتنة والتدليس والتحشيد الحزبي) في معادلة مقلوبة فيها الشعب يفدي الفصيل! وليس الثورة أو الفدائي أو المقاومة تفدي الشعب!
إن هجوم الأخ غازي حمد على مواقف السلطة الوطنية الفلسطينية فهو كرأي حقه، ولكن المقارنة التي عقدها بالمفاوضات غير دقيقة فمفاوضات السلطة-رغم أن لنا رأي سطّرناه حينها بها-لم تكن من أجل محور س في غزة أو محور ص في خانيونس أو شاحنات مساعدات او الخروج من غزة مع بقاء احتلال محيطها، بل كانت بالملفات النهائية الخمسة المعروفة التي تؤدي لقيام الدولة الفلسطينية. ولنتوسع قليلًا
التفاوض الوطني وتفاوض الفصيل
في قطاع غزة أنت تفاوض المحتل الإسرائيلي الغاشم على أمتار مدمرة، وذاك الوطني (الأوسلوي-كما تحب أن تسميه) يفاوض على مجمل البلد والحدود. أنت تفاوض على كيس طحين وذاك الأوسلوي يفاوض على حقنا بالموارد الطبيعية كلها وأنت تفاوض على انسحاب من بقعة هنا أو هناك في غزة، تفاوض لاقيمة له إذ سرعان ما سيكسره الإسرائيلي وأنت تعلم ذلك فلم تماطل. أقول أنت تفاوض في غزة وليس عن بالقدس او رام الله او الخليل والمعبر الواصل بين ترقوميا وقطاع غزة كما أراد محمد الضيف رحمه الله.
أنت تفاوض كفصيل! والآخر-أخيك وغريمك- تفاوض ككيان له جوازسفر (تحمله أنت في حماس أيضا) وله علم ومقعد بالأمم المتحدة. هو (الأوسلوي) كان يفاوض والعالم معترف به كدولة (1988، 2012م) وأنت تفاوض ولا أحد يعترف بك، لا كفصيل ولا كممثل لفلسطين!. بل أن محورك "المقاوم الممانع" سرعان ما تخلى عنك، وقدّم مصالح شعبه وبلده على دعمك.
أنت تفاوض تحت النار التي تحرق شعبك ففي كل يوم 100 ضحية على الأقل وهو كان يفاوض بلا ضحايا بلا طائل. (شهداء الإبادة بغزة وصل حتى تاريخه 60 ألفًا)
أنت تفاوض فتضرب رأسك بالصخرة مرارًا وتكرارا وأظنك تعلم أن لاقيمة لفصيل أمام الناس وحريتهم وحياتهم وكرامتهم.
أو دعني أقول أنك تتعامل مع الأمر والتحجّر عند تقديس الوسيلة غير المجدية، ومصلحة الفصيل في ظل خراب البلاد ودمار العباد كصخرة "سيزيف" في الأساطير اليونانية حيث كان سيزيف يصعد بالصخرة الى أعلى الجبل فتتدحرج لأسفله، ليعود ليدفعها للأعلى وتتدحرج للأسفل ثم يعود... وهكذا الى ما لانهاية!
تقول أنك لن تتخلى عن السلاح لأنه حق وهو كذلك مع كافة الوسائل الأخرى كما بينّا، وليس تقديس الوسيلة، ولكنك في معادلة 1مقابل مليون بالقوة المادية لذا فأنت تقول شعرًا. (ذكر اليهودي التقدمي الأمريكي بيرني ساندرز مقرّعًا بلاده أنها تحارب مع الإسرائيلي وأنفقت حتى تاريخ خطابه بالكونغرس 22 مليار دولار دعما للعدوان)
أنت تفاوض بالمقلوب من المعادلة حيث الشعب فداء لاستمرار الحزب!؟ وحجز مقعدة على الطاولة (وإن كان هذا حقه بالتمثيل ولكن ليس بدمار الناس) أنت تطيل أمد المعاناة بإرادة أو تصلب غير محمود أو نقص وعي سمّه ما شئت، وما كان لك كفصيل لينقذك إلا حضن اخوانك الذين وإن كرهتهم أو حرّضت على حقدهم (أنظر آلاف التصريحات السابقة لقادة في حماس في شتم وتعهير وتكفير وتخوين اخوانك) فهم فقط رصيدك الوطني للخروج من الأنفاق ومن العيش بأسطورة صخرة سيزيف، أو فكرة القداسة والمظلومية الأبدية، أو من الحفرة العميقة التي تدحرجت اليها الأمور بفضلك.
بجميع الأحوال وبالنتيجة رغم الاختلافات أعلاه ماكانت المفاوضات الأوسلوية ناجحة، مقارنة بالنتيجة المتوخاة، وما المفاوضات الحمساوية بالدم ناجحة فما العمل؟ وما البديل؟ إن لم يكن بفتح طاقة في العقل المتحجر وضد النزق المتواصل والامتناع عن قلب حقائق التاريخ، واختراع السرديات غير الصحيحة، والى ذلك بالانفتاح لا الظلامية ومدّ راحة اليد وقول أخ!
المفاوضات حرام! و"نهاية الزمن الإسرائيلي"!؟
لا يشير القائل أن المفاوضات حرام كما كان التنظير السابق لماذا؟ لأنه هو يفاوض أيضًا فلم يعد التفاوض حرامًا. وإن كان كما قلنا يتم التفاوض على النجاة وبلا أي مطالب وطنية شاملة، والذي لم يذكر خلال سنتين في أي ورقة فيه الدولة الفلسطينية قط. بل ولم يذكر فيه أي من مطالب محمد الضيف عندما قال "هذا يومكم لتُفْهِموا هذا العدو المجرم أنه قد انتهى زمنه"، وما حصل أن الإسرائيلي الفاشي تغوّل وأجرم وفتك بما لم يحصل في كل العصور!
ثم عندما قال للأمة اللاهية وقادتها "ابدأوا بالزحف اليوم، الآن وليس غداً، نحو فلسطين، ولا تجعلوا حدوداً ولا أنظمة ولا قيوداً تحرمكم شرف الجهاد والمشاركة في تحرير المسجد الأقصى." فلا زحف جاء ولا حدود تم اجتيازها...الخ، ما يعني لكل ذي عقل (ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ) أن الأهداف الموضوعة للطوفان بالواقع العملي غدت على عكس ما حصل، ما كان يوجب على الفصيل أو الفصائل (التي تفترض بذاتها أنها المقاومة العسكرية حصريًا مكرر)، أن تفكر وتعيد النظر فالنتائج معاكسة تمامًا للمطالب والأهداف المتوقعة ما كان يستدعي منذ قصف المستشفى المعمداني في 17/8/2023م أن يتراجع الاقدام ويعتدل التفكير ويقدم صاحب الحدث أفكارًا جديدة تقي الأرض والشعب من لسعات عش الدبابير أو الذئب الفاتك الذي كان ينتظر بفارغ الصبر مثل هذه الفرصة التاريخية الثمينة وكما قال بلسانه، وقد حصل، واغتنمها!
نحن غيّرنا التاريخ!؟
يقول الأخ غازي حمد في مقابلته "نحن غيرنا التاريخ"! وقد صدق.
ولكن نحو ما لم يقدّره قادة مشروع الطوفان أبدًا، وهو ما يذكرني بما قاله قدري (سميح أبوكويك) حين الانشقاق على حركة فتح بدعم المخابرات السورية، إذ قال " إنني أمسك بناصية التاريخ"؟ فلا الثاني أمسك بشيء بل نُبذ حتى ممن دعموه رحمه الله، ولا الأول غيّر سراطيته (استراتيجيته) بما هو المطلوب وفي حده الأدنى الحفاظ على ثبات وحياة وصمود الناس والحفاظ على الأرض التي استبيحت فلم يبق منها شيء يليق حتى بحياة الحيوانات.
يعيب غازي حمد على تصريحات الرئيس أبومازن بدولة منزوعة السلاح، وهو نفس فكر تقديس الوسيلة التي لوحدها أثبتت عدم فعاليتها في غزة كمثال أخير!
ولكنه ينتقد ذلك ليقول أنه متمسك بسلاحه الذي تكسّر فعليًا، وفقد عزيمته وقيمته لاسيما وتراجع الحلفاء للخلف (ما يسمى محور المقاومة والممانعة-والدول الحاضنة لحماس) والذي لم يحقق حتى الآن إلا دوام صورة الفصيل واثبات حضوره وكان له أن يقول ذلك صراحة أن السلاح بيدنا هو دلالة على وجودنا كفصيل ولن نسمح لأحد بإقصائنا عن الصورة هذا أولًا، وكذلك الأمر ما يبقينا كفصيل على قيد الحياة هم الأسرى الإسرائيليين. نعم كان الأفضل له الوضوح والحقيقة، وهنا يأتي حقّه كفصيل –أصاب أم أخطأ-بالتمثيل في منظمة التحرير الفلسطينية كفصيل أو شكل جديد متوقع من الفصيل يمثل شريحة حق لها التمثيل..
غازي حمد وخذلان الأمة
يشعر غازي حمد بالخذلان من الأمة، وهو يتكلم بقناة الجزيرة القطرية التي تحتضن أضخم القواعد الامريكية في المنطقة العربية أو غرب آسيا! فأين هي من الدعم ومن وراءها! والى ذلك يشكر كل من مصر وقطر!؟ رغم الاتهامات والشتائم الكثيرة التي طالت مصر من قادة "حماس" و"الاخوان المسلمين" فلمن يبتغي نصرة الأمة ونُصرة أنظمتها كيف له ذلك؟ ولمن يا ترى ستستمع القلوب أو تميل العقول!
وعلى المقلب الآخر أنظر ما قاله خليل الحية (27/7/2025م) حيث دعا إلى "الزحف نحو فلسطين برًا وبحرًا وحصار السفارات"، في حين خاطب المصريين قائلًا: "يا أهل مصر وقادتها، كيف تسمحون بموت إخوانكم على حدودكم؟" فكيف يستقيم ذلك؟! والأمر كله أن العالم أجمع ضد "حماس" والوسيلة المتهالكة، ومع فلسطين والوسيلة السلمية. وكيف تفهم أن "الاخوان المسلمين" في الداخل يتظاهرون ضد مصر تحت علم الإسرائيلي؟! أنه لخلل كبير في الأولويات وفي السياسات، وافتقاد كبير لعقلية المراجعة الاعتراف بالخطأ والنقد الذاتي المطلوب (أنظر د.أحمد يوسف ود.موسى أبومرزوق وغيرهما القلة الذين قاموا بمراجعات محددة واعترفوا بأخطاء الطوفان، وطالبوا بالتغيير، ما لم تتعظ به قيادة حماس في قطر وتركيا).
يقول حمد بعد 22 شهرًا من تواصل العدوان: "لا بد أن يكون في العواصم العربية حِراك أكثر قوة ودافعية، وما الذي يمنعهم أن يقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني، أن يدعموه بالمال والسلاح وبكل شيء"؟!
تساؤل فات أوانه يا دكتور، والعار يكلّل كل من خذل غزة وأهل فلسطين، في أضخم وأكبر مقتلة وبائقة ومذبحة وكارثة ونكبة حلّت بفلسطين وأهلها وفي جزء منها بأيدنا نحن وتقصيرنا وقلة وعينا، أنه تساؤل متأخر ونحن لم ندفع بثقلنا الموحد نحو الأمة وحيث كل الظن أننا الأوحدون والأبديون والإلاهيّون أو الممثلون الشرعيون لا سوانا، وهذا ينطبق على يمين الثورة والمقاومة الفلسطينية ووسطها ويسارها.
ونحن نتساءل فوق تساؤله قائلين ألا تعرف ما الذي يمنع حقًا؟! وبعد حرب 6 اكتوبر العام 1973 متى دعم أحد المقاومة الفلسطينية بالسلاح؟! لا هذا حصل في بيروت 1982 ولا في غيرها؟
من المقدر أنك تعلم أن القرار منذاك أي عام 1982 هو التوجه العربي الشامل نحو الحل السلمي والمبادرات التي تعرفها، أي أن الأمة كلها (ومنها الأنظمة التي سمّت نفسها التقدمية آنذاك) ألقت السلاح كليًا ما استدعى بالمقاومة الفلسطينية والخالد ياسر عرفات أن يفهم المعادلة الجديدة، ويعيد بناء القوة بناء عليها.
جدعون ليفي والأيوبيين!
لننظر قبل الختام بالتالي حيث يقول الكاتب الإسرائيلي التقدمي جدعون ليفي أن الاعتراف بفلسطين من الدول الغربية لا يكفي! ما لم يتم فرض عقوبات فعلية تجعلها تنتهي الحرب! وانظر كتابات الإسرائيلي التقدمي ألون بن مائير ومنها مقاله "احتلال وإبادة جماعية وموت رؤية" ومقاله "أرفض الدفاع عما لايمكن الدفاع عنه"، وأنظر لتنظيرات إيلان بابِه، وتجد أمثالهم من المفكرين والكُتّاب والطلاب والأكاديميين والممثلين والفنانين والمغنين والرسامين والراقصين الكثير بالعالم الموصوف بالحر!
فكيف هو الحال بأمة المليارين أو أمة ال500 مليون لم تفكر للحظة أن تسحب السفراء! أو تقاطع البضائع الصهيونية؟ أوتوقف مسلسل التتبيع لمشروع (ترَمب/ابراهام)! أو تهدد بذلك على الأقل، بل والأسوأ لم تجد فيها مظاهرة لفلسطين فيما مئات الآلاف خرجوا بالأمس في استراليا لأجل الإنسان في فلسطين وحريته، وضد الإبادة الجماعية والتهجير والتجويع!؟ نعم أنها لأيام حزينة وكرب وانهيار عام، ومنها أن يتقدم الإسرائيلي هذا وذاك ومثلهم عديد الإسرائيليين المستنيرين بحلول عملية من أجل حل الدولتين!
لقد مُسحت غزة عن وجه البسيطة وذاب شعبنا الفلسطيني البطل فيها، فهو إما تحت التراب فيما يذوب الباقي فوقها، والضفة الفلسطينية قد ضُمّت بالفعل (تقرير تمار مجيدو، لفين شانور، ياعيل بردا في هآرتس 3/8/2025م) فأين القضية الفلسطينية اليوم بعد الطوفان؟! وأين الفصائل وأين الأمة!
قليل من التاريخ القديم قد يُشفي، وقليل منه قد يحفّز وكثير منه قد يُبكي وبعضه قد يجلب المفخرة. وفيه كثير العِبَر فكيف تعامل حكام دمشق (الأيوبيين) وعلى رأسهم السلطان الناصر يوسف الأيوبي أثناء غزو المغول؟ لقد اجتمع عِلْيَة القوم من القادة السياسيين ومشايخ البلد والعساكر وقرروا الهروب أجمعين من دمشق الى مصر؟! وتركوا البلاد والعباد لفتك المغول! بينما السلطان الشهيرالمسمي نفسه (الملك الرحيم السلطان بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ-الملقب بقضيب الذهب!) سلطان الموصل ف(أخذها من قاصرها-كما يقول المثل العامي) وعقد مع هولاكو حلفًا وساعده في غزو بغداد وتدميرها! وقِس على ذلك. فلم يقف مع الشام وبغداد وفلسطين آنذاك ومع مصالح الأمة إلا المفكرين والمثقفين وبعض علماء الدين أي أصحاب العقل وتقدير الأمور مقابل أصحاب المصالح والسياسة الكئيبة والنَزَق السلطاني في مقاومة فكرية مرحلية حتى كان ما كان من تحالف أدى الى طرد الأجنبي الغازي.
لا أقول أن غازي حمد بعيد عن الفهم السياسي وهو قائد سياسي بارز، ولكن إن كان يقصد بنداء الخذلان تحفيز وتحريض للأمة فلقد فات أوانه، فالأوربيون والأمريكان شمالًا وجنوبًا خاصة جماهيرهم والطلاب قد أثبتوا انتصارهم العظيم للقضية الفلسطينية (الانسانية والحرية وحق الحياة (Free Free Palestine) وليس القومية أو الاسلامية أو المقاومة) ولفلسطين أكثر من كثير من أمة العرب والمسلمين ( 2 مليار بالعالم) فما هو الحل؟ وما هو التغيير المتوجب أن تقدم عليه "حماس" لتكون جزءًا من النسيج الوطني التحرري الفلسطيني؟ إن لم يكن كثير من الاعتراف والنقد الذاتي، والتضحية بالذات لأجل الشعب، وقليل من الحكمة!
إن فلسطين تحتاج لكل الأيادي خاصة المختلفة (الضد يبرز حُسنُه الضد)، وليكن بلا فصائل ولا فسائل ولا غيره من سياقات تناحرية إقصائية، بل بأطر وطنية عربية فلسطينية خالصة لفلسطين ملتفة حول دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والمعترف بها عالميا (لكنها تحت الاحتلال)، أي أن نضع اليد باليد لتحرير فلسطين القائمة ولكنها المحتلة وتواصل الاعترافات بحق الدم الفلسطيني الغزير النازف يوجب علينا الاعتراف بالخطأ وإعادة التفكير والتوجه نحو (دولة واحدة وقرار وطني واحد، وسلاح واحد) ولأن الأمة اليوم تحتاج لنهضوية جديدة صحيح، لأنه بدون قوة شاملة فكرية وثقافية واقتصادية وعلمية تقانية (تكنولوجية) وعسكرية وصناعية وزراعية ونظرة وحدوية فلسطين قلبها، تظل الأمة العربية على الأقل (تقريبا 500 مليون) ترفل بالذل تحت سنابك الغزاة الإسرائيليين-الأمريكان، ومعتنقي فكر التغريب والغرب الاستخرابي (الاستعماري) المتغطرس. "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"-صدق الله العظيم
وإنها لثورة حتى النصر