الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:06 AM
الظهر 12:32 PM
العصر 4:00 PM
المغرب 6:41 PM
العشاء 7:56 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

من فرنسا والسعودية إلى نيويورك: الدبلوماسية بعيون فلسطينية

الكاتب: د. دلال صائب عريقات

هذا الأسبوع يشهد العالم منعطفاً جديداً مع إعلان فرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في خطوة غير مسبوقة على مستوى الديمقراطيات الغربية الكبرى. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان المحرك الأساس لهذه المبادرة، التي اعتُبرت من أبرز التحولات في السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية منذ عقود.

إسرائيل من جانبها لوّحت بالتهديد بردود انتقامية، بدءاً من تسريع الضم في الضفة الغربية وصولاً إلى إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس أو التضييق على الممتلكات الفرنسية الدينية في المدينة. هذا الغضب الإسرائيلي يعكس إدراكاً بأن موجة الاعترافات الجديدة ليست مجرد خطوة رمزية، بل بداية تشكل تحالف دولي جاد للضغط على إسرائيل.

بالرغم من حقيقة أن الاعتراف هو استحقاق فلسطيني طال عليه الزمن الا دولة الاحتلال تحاول المناورة بالقول إن الاعتراف بفلسطين مكافأة لحركة حماس، والرد الفرنسي والدول الشريكة أتى أن الاعتراف ليس مكافأة لحماس بل وسيلة لعزلها وتثبيت منطق الدولتين، في حين لا تزال إسرائيل تكرر خطابها بأن هذه الخطوات "تشجع الإرهاب". وبين الموقفين، يجد المجتمع الدولي نفسه أمام اختبار: هل تبقى الاعترافات مجرد دبلوماسية رمزية، أم تُترجم إلى إجراءات عملية توقف الاستيطان وتنهي الاحتلال وتضمن حماية الفلسطينيين من جرائم الحرب اليومية؟

الدبلوماسية المتعددة فشلت بوقف الحرب، منذ بدء حرب الإبادة على غزة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض للمرة السادسة في مجلس الأمن لإسقاط مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، رغم تأييد 14 دولة ومعارضة دولة واحدة فقط. هذا المشهد يلخص بوضوح عجز الدبلوماسية المتعددة الأطراف أمام الهيمنة الأمريكية، ويكشف أن واشنطن هي الطرف الوحيد القادر على وقف الحرب بحكم نفوذها المباشر على إسرائيل، لكنها لا تريد ذلك. فالفيتو الأمريكي المتكرر لا يعرقل فقط الإجماع الدولي على وقف المأساة الإنسانية، بل يعكس موقفاً رافضاً لأي مسار سياسي يعيد الاعتبار لحقوق الفلسطينيين أو يفتح الطريق نحو دولة فلسطينية. بهذا الانحياز، تمنح واشنطن غطاءً أخلاقياً وسياسياً للمشروع الاستيطاني الصهيوني، ما يعزز القناعة العالمية بأن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً نزيهاً، بل طرفاً فاعلاً في إدامة المأساة وتعميق عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

المؤتمر المزمع عقده في نيويورك حول حل الدولتين بقيادة المملكة السعودية وفرنسا سيحدد الكثير. إذا نجحت الدول في تحويل الاعترافات إلى خطة تنفيذية مدعومة بأدوات قانونية وعقوبات رادعة، فإن ذلك سيكون بداية مسار تصحيحي للنظام الدولي الذي طالما سمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب ما إذا بقيت الاعترافات بلا أثر عملي، فإننا أمام تكرار لمشهد الوعود الفارغة التي شهدناها لعقود من مماطلة وكسب الوقت لصالح الاستيطان. المنظمون للتحالف الدولي اكدوا رفضهم لمصطلحات "عملية " أو "الأفق" أو "خريطة طريق" أي هناك دروس مستفادة من العقود السابقة ونتطلع لأدوات عملية وفرض واقع على الأرض لتنفيذ هذا الحل الذي قضت عليه إسرائيل من الناحية الجيوسياسية. 

اليوم، فلسطين ليست بحاجة إلى وعود وشعارات، بل إلى إرادة سياسية تُترجم إلى حماية على الأرض، ومساءلة حقيقية للاحتلال، والتزام دولي بإنهاء أطول احتلال عرفه التاريخ الحديث. استمرار إسرائيل بالإفلات من العقاب، رغم كل الجرائم التي توثقها المنظمات الحقوقية والمحاكم الدولية، يشكل ثغرة قاتلة في النظام الدولي. لا يمكن القبول بأن دولة تنتهك بشكل ممنهج حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، تستمر في التمتع بعلاقات طبيعية مع العالم وكأن شيئاً لم يكن. بناء عليه، فإن الدول التي تعترف بفلسطين مدعوة لاتخاذ خطوات أكثر جرأة:

•     تعليق التعامل الثنائي التجاري والدبلوماسي. 

•     منع اصدار الفيزا للإسرائيليين. 

•     فرض عقوبات على كل المستوطنين بصفتهم غير شرعيين تماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 2334.

•     حظر التعامل التجاري مع المستوطنات، بما يشمل البضائع، المنتجات، والخدمات، انسجاماً مع قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي اعتبر المستوطنات غير شرعية وعقبة أمام السلام.

•     منع مواطنيها حملة الجنسية من الإقامة في المستوطنات، واعتبار ذلك مخالفة قانونية يعاقب عليها.

•     منع مواطنيها من الخدمة في جيش الاحتلال، الذي يرتكب انتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وفقاً لتعريفات القانون الدولي ولاتفاقية منع الإبادة الجماعية.

•     وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، إذ أن الأسلحة التي تُورد بذريعة الدفاع تستخدم في عمليات إبادة وإعدامات ميدانية بحق المدنيين الفلسطينيين.

•     فرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية الحالية، باعتبار أن إفلاتها من المحاسبة هو سبب رئيسي لاستمرار الجرائم والانتهاكات.

•     الالتزام الكامل بقرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وتنفيذ مخرجاتها باعتبارها ملزمة قانونياً لكل دولة عضو في النظام الدولي.

إن استمرار الخطاب الدبلوماسي دون إجراءات عملية حقيقية على الأرض لن يؤدي إلا إلى مزيد من فقدان الثقة لدى الفلسطينيين، وسيُقوض أي إيمان بالحلول السلمية. فكيف يمكن إقناع شعب يعاني من الاستيطان والقمع والعنصرية والاعتقال والإعدامات اليومية، بجدية المجتمع الدولي في الدفع نحو السلام وحل الدولتين، ما لم يشهد المواطن تغييراً ملموساً في حياته اليومية وترجمة فعلية للدبلوماسية؟

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...