الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:06 AM
الظهر 12:32 PM
العصر 4:00 PM
المغرب 6:41 PM
العشاء 7:56 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الاعتراف بدولة، بحجم قبرٍ أو مستوطنة!

الكاتب: المتوكل طه

 

ينبغي الاستهلال بتقديم الشكر والعرفان للشعوب، التي انتصرت لغزّة، وكان في فمها صرخات المذبوحين، ونداءات الجوعى، وأنين المُثخنين بالندوب وعار التخلّي. وبعد؛ فإنّ معظم دول العالم تعترف بفلسطين، فما هو الجديد، فيما نراه؟

 إن الدول الغربية العشر، التي اعترفت، لتوّها، بفلسطين؛ حلفاء تقليديون لإسرائيل ،ودولٌ لها ثقلها الكونيّ، وستترك أمريكا وحدها المناوئة للحقّ، وستعزلها عن كلّ الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لتبدو ناتئة معادية للتوجّه العالمي. وستضغط على إسرائيل، التي ستكون كلّ إجراءاتها، من ضمّ واستيطان في الضفة الغربية، لا شرعية لها في الميزان، لأنها أراضي دولة أخرى. بمعنى؛ أن إسرائيل التي اعتمدت على شبكة الاعتراف العالمي بها، بعد الحرب العالمية الثانية، نراها وقد فقدت هذه الشبكة، التي تقطّعت، بعد أن خسرت إسرائيل "صورةَ الضحيّة"، ما ساعد الغرب على أن يتحرّر من عُقدة الهولوكست، التي ابتزّت إسرائيل عبرها، الدنيا بأسرها، بعد فظاعاتها في غزّة، التي لم يحتملها الضمير العالمي، على رغم عجزه وهشاشته، وهذا ما فجّر الاحتجاجات في أنحاء المعمورة، فأصبحت شوارع العالَم فلسطينية، وأكتشفت الشعوبُ نفاق أنظمتها، وتماهيها مع القاتل المستبيح، ما دفع الحكومات للاستجابة لنداءات شوارعها، لتنفيسها، وتقدّم شيئا ما للضحيّة الفلسطينية، فكان من ذلك؛ الاعتراف بفلسطين. أي أن السبب الرئيس الذي دفع العالَم نحو الاعتراف، هو؛ الدم المتفجّر في غزّة، ومشاهد الجرائم المدوّية في القطاع، أولاً، إضافة إلى تاريخ متراكم من الحراك السياسي والنضالي والدبلوماسيّ الفلسطيني، وما فعلته الدبلوماسية الشعبية، من جاليات وقوى ناعمة وأهلية، ساهمت في تخليق مزاج رافض للاستباحة الصهيونية، خضّ العالم، ودفعه نحو اتخاذ ما يلزم من مواقف واجبة الوجود.

 لقد أكّد مونيفيديو:أن هناك معايير لتكون الدولة كاملة العناصر، وهي (الشعب والأرض والحكومة)، وهذا ما نتمتّع به..غير أن هناك احتلالا إحلاليّا فاشيّا يسيطر على أرضنا، ويمنع حكومتنا من تمرير مشاريعها الإنمائية، بل ويغرس سيفه الوثنيّ في لحم شعبنا، ويُصادر ثرواتنا، ويمنعنا من تكوين جيش لحماية مقدّراتنا وحيواتنا..وهذا يجعل استقلالنا ناقصا، لأننا لم نستطع تجسيد السيادة الكاملة، في وقت تتواصل فيه أكبر مذبحة كونيّة، تستهدف قطاع غزة، منذ عامين؛ إبادةً ومسغبة وقتلا وتهجيرا، دون أدنى فعل دوليّ يوقف هذه المحرقة المتواصلة!

ونرى أن الاعتراف الذي يترى، ما هو إلا "حلّ وسط" بين الحقّ الشرعي(الوطن)، وبين الحق الممكن(الدولة)، وهو يميل إلى صالح مفهوم الدولة، على حساب الحقّ التاريخي، لأن المنظومة الدولية تعترف بنقيضنا. ولأننا، عربا ومسلمين، لم نوظّف قدراتنا المهولة لصالح قضايانا. ولأننا، نحن الفلسطينيين، لم نقدّم صيغة نزيهة وحداثية وجامعة، نقرع بها أبواب العالَم. وقد قبلنا هذا الكومبرومايز بسبب استعصاء التحرير الكامل. وحلّ الوسط هذا؛ حلّ وسط عقليّ وليس أخلاقي أو ضميريّ. وقد جاءت الاعترافات بصيغة أقرب إلى الغموض، أي؛ دون سقف زمني للتنفيذ، ومشروطة، فضفاضة ودون محددات وحدود. بمعنى؛ أن الاعتراف هو "كومبرومايز" سياسي بين الدول الإقليمية، مقابل المذبحة في غزّة، وحماية لإسرائيل، واعتراض على ابتلاعها لكلّ الأرض الفلسطينية..وربّما كان علينا أن نطلب وقف الحرب على غزّة، قبل نيل الاعتراف اللفظي بالدولة، على أهميته الوازنة.

وأعتقد أن العالَم سيظلّ يقدّم صيغا لفظية دون مضمون، وهذا استحقاق عليه، ما لم تجسّد الحركة الوطنية الفلسطينية سيادتها، على أرضها، بإعلانها أنها دولة تحت الاحتلال، وبدستور، ومجلس..وما يلزم. لأن العالَم منذ عقود يهرف ويتحدّث عن حلّ الدولتين، دون أن يفعل شيئا! ولم يكفّ يد الاحتلال عن العبث بالأرض والمقدسات والبشر! وبمعنى؛ ألا نبقى منقسمين، لأن مفهوم الوحدة الوطنية الفلسطينية لا علاقة له بالأيديولوجيا أو السياسة، ولكن له علاقة ب"الضرورة" وبالقيمة الحقيقية للوحدة، باعتبارها شرطا لكل فعل معافى.

 وأسأل: لماذا لا تعترف الدولُ بالشعوب إلا بعد حمّامات الدم المروّعة؟ أي أن تقليدها الاستعماري لم يتغيّر، إلا بعد أن تبهظ الشعوب؟ لماذا؟! ولماذا سارعت الدول بالاعتراف، ولم تسارع لإيقاف المذبحة؟ وهو الأمر الأكثر إلحاحا ويتقدّم على غيره من الأولويّات؟ يبدو أن الأسهل للغرب هو الاعتراف، لعجزه عن إيقاف الإبادة.

إن الاعتراف ليس مِنَّة، لأنه يستند على مفهوم الحقّ، أساسا، لكنه بصيغته المطروحة، استند على المُتاح عالميا. وعلى الدول التي تأخّرت، أن تعتذر،عبر تصعيد إجراءاتها ضد إسرائيل، لتعلن ندمها الأخلاقي عن صمتها وتقاعسها عن نصرة المظلوم، طيلة عقود ثقيلة دامية. ومع هذا؛ علينا أن نكون واقعيين وموضوعيين، على رغم أننا تلقّينا "دولة" في الهواء، وأن مساحتها المُفترضة هي مساحة مقبرة جماعية في غزّة، أو مستوطنة في القدس أو جنين، ومواطنوها شهداء، أو أسرى وجرحى ومحاصرون، وشهداء مع وقف التنفيذ! لكننا ندرك أن العالَم لا يعمل "عندنا"، وأن المعركة الآن عالمية، تشهد اتجاهين، الأوّل؛اتجاه عربي إسلامي آوروبي عالمي، لحماية فكرة حلّ الدولتين، ونحن معه، ومع العالَم الذي يقف معنا ويتقدّم علينا. واتجاه ثانٍ فاشيّ أعمى، يسعى لأن يعدم هذا الكومبرومايز، وتمثّله أمريكا وإسرائيل، التي لا تعترف، أصلا، بأيّ شيء..وتعتقد أنها قادرة على مواجهة العالَم، وصفْعه وتجاوزه! تحت شعار أن الدولة الفلسطينية تهدد وجود أصحاب المحرقة؟! من هنا نرى خطابات الإسرائيليين، الذين يعلنون، بكل صفاقة، أن لا وطن ولا دولة للأغيار. ولهذا ؛علينا كشعب فلسطيني أن نستعيد فكرة وحدة الوطن،ووحدة الشعب، ووحدة التمثيل، وحق تقرير المصير على قاعدة الحقّ الشرعي، وأن تبقى الحركة الوطنية، فعلا وقولا، نقيضا للصهيونية وقاعدتها إسرائيل.

ولا نبالغ إن قلنا بوضوح:إن المطلوب هو وقف المذبحة والتهجير والتجويع، ثُمّ تمكين الشعب الفلسطيني من تجسيد سيادته على أرضه. وعلينا، نحن الشعب الفلسطيني، بكل أطيافه ومستوياته، عدم تهويل ما جرى، أو أن ينبري مَن يدّعي أنه صاحب هذا الإنجاز. وعلينا العمل "فقط - الآن" على وضع حدّ للإبادة والمعفرة الدموية والمقتلة والمسغبة، في القطاع، دون توقّف، وبكلّ الوسائل. ويجب الإفادة من "قيمة" الدولة المُفترَضة، ما دمنا غير قادرين على استرجاع الوطن. وينبغي أن نعمّق العلاقة مع القوى القادرة على إيقاف الحرب، وأن نتحرّر من الحساسيات والخوف، من هذه الدولة أو تلك، ما دامت تتآمر أو تصمت!

إن الاعتراف، ومع أنه ليس حاسما، يحمل أهمية وثقلا ودلالات إيجابية كبيرة. غير أن الأهم، الأن، هو موقفنا الفلسطيني؛ سياسيا وإعلاميا ووطنيا وفكريا واجتماعيا، لنبقى راسخين على أرضنا، متشبثين بحقوقنا غير القابلة للتصرف. بلغة أخرى؛ علينا أن نجري مراجعات عميقة، في كل مربعاتنا، ونتجاوز خطاباتنا الرتيبة الخائبة، ونشرع في إعادة بناء وانهاض مؤسساتنا وتوحيدها، بنزاهة، وجدّية، بعيدا عن النمط والترقيع والتبرير. وعلينا إعادة ضخّ روح الجماعة في الدبلوماسية الشعبية، من نقابات ومؤسسات أهليه وجاليات، لتعظيم المقاطعة على اسرائيل، وشحذ القواعد الشعبية العالمية، لمواجهة خطابات الصهيونية، ومَن يساندها.

فمن غير المعقول أن نتلقّى "الهِبة" العالمية، ونحن بهذه الرداءة والتكلّس والارتكاس والموات والغبش المُمضّ، حتى أن دول العالَم تُطالبنا بالإصلاح والشفافية والديمقراطية! معقول؟ وهل بكيفيّتنا الحالية، سنكون معادلا موضوعيا لما يهجس به الكون، لصالحنا؟ أم أنّ عناد الغروب أبلغ من عدالة الشروق! 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...