الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:30 PM
العصر 3:56 PM
المغرب 6:35 PM
العشاء 7:50 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

خطة ما بعد الاعترافات...

الكاتب: رامي مهداوي

لا شك أنّ اللحظة الراهنة تحمل دلالات استراتيجية عميقة في مسار القضية الفلسطينية. بعد أكثر من سبعين عامًا من الصراع، وما رافقه من تسويفٍ وتردّدٍ غربي في الاعتراف بالحق الفلسطيني، نشهد اليوم تحوّلًا نوعيًا يتمثل في انضمام دول أوروبية وازنة –على رأسها فرنسا، ومعها بلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وسان مارينو– إلى ركب الاعتراف بدولة فلسطين، بعد خطوات مشابهة من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال. هذه التطورات ليست مجرد مكسب رمزي، بل انعكاس لتبدّل ميزان المزاج الدولي، وانكشاف عجز إسرائيل عن فرض سرديتها على الجميع.

إنّ الاعترافات المتوالية لا تُغيّر واقع الاحتلال على الأرض مباشرة، لكنها تضيف رصيدًا استراتيجيًا يُصعّب تجاوزه في المستقبل. فهي تعيد القضية الفلسطينية إلى قلب الأجندة الدولية، وتضع العالم أمام خيارٍ واضح: إما دعم حق تقرير المصير، أو تكريس منطق القوة والضم والاستيطان. هنا تبرز المسؤولية الفلسطينية الكبرى: كيف نحسن استثمار هذه اللحظة؟

أولاً: من ردّ الفعل إلى المبادرة

لطالما اكتفت الدبلوماسية الفلسطينية في محطات مشابهة بالترحيب والإشادة. لكن المرحلة الراهنة تتطلب تحوّلًا نوعيًا من موقع المستجيب إلى موقع المبادر. المطلوب رؤية دبلوماسية هجومية، تستند إلى خطة مدروسة لتحويل الاعترافات إلى مكاسب ملموسة: رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، توقيع اتفاقيات ثنائية، إدماج فلسطين في شراكات اقتصادية وثقافية، وتكريس حضورها في المؤسسات الدولية. هذه الخطوات لا تمنح الفلسطينيين شرعية إضافية فقط، بل تجعل الاعتراف أمرًا مؤسسيًا يصعب التراجع عنه.

ثانياً: بناء محور أوروبي داعم

قيادة فرنسا لهذه الموجة تفتح الباب أمام مأسسة كتلة أوروبية ضاغطة في الاتحاد الأوروبي. على الدبلوماسية الفلسطينية أن تتحرك بذكاء لاستثمار هذا الاصطفاف، ودفعه نحو قرارات أوروبية جماعية: مقاطعة منتجات المستوطنات، تقييد الدعم للمشاريع المرتبطة بالاحتلال، وتعزيز الموقف الأوروبي داخل الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية. نجاح هذه المقاربة كفيل بخلق توازن حقيقي أمام الانحياز الأميركي التقليدي لإسرائيل.

ثالثاً: تفعيل البعد القانوني الدولي

الاعترافات لا تمنح فلسطين شرعية جديدة، بل تُذكّر بشرعية قائمة أساسًا وفق القانون الدولي. ومن هنا، فإن المسار الأكثر تأثيرًا هو نقل هذه الاعترافات إلى حلبة القانون الدولي: محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية، والاتفاقيات الأممية. كل اعتراف إضافي يعزز الحجّة الفلسطينية لملاحقة جرائم الاحتلال في الاستيطان والضم والتهجير. بل أكثر من ذلك، يمكن للدبلوماسية الفلسطينية أن تبلور استراتيجية قانونية شاملة تجعل الاحتلال مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا لإسرائيل.

رابعاً: إدارة التناقض الأميركي

الموقف الأميركي من الاعترافات الأخيرة اتسم بالانزعاج العلني واتهامها بأنها "استعراضية"، لكنه في جوهره يعكس قلقًا من فقدان السيطرة على حلفائه الغربيين. هنا تكمن فرصة يجب اغتنامها: الانفتاح على الدوائر الأميركية غير الرسمية –الكونغرس، مراكز الأبحاث، الإعلام– لبناء مساحات جديدة للنقاش حول حل الدولتين. الهدف ليس مواجهة مباشرة مع واشنطن، بل استثمار التصدعات في خطابها لفرض القضية الفلسطينية كأولوية لا يمكن تجاوزها.

خامساً: تفعيل البعد العربي والإسلامي

التحولات الأوروبية تضع أمام الدبلوماسية الفلسطينية واجبًا مزدوجًا: تعزيز الموقف العربي والإسلامي ليكون رديفًا وضاغطًا في المحافل الدولية. القمة الأميركية–العربية–الإسلامية المقبلة تمثل فرصة لصياغة موقف موحد يرفض أي بدائل عن حل الدولتين، ويطالب بدعم مادي وسياسي حقيقي لصمود الفلسطينيين. إن الجمع بين الشرعية الدولية والدعم العربي والإسلامي يشكّل معادلة قوة جديدة في مواجهة السياسات الإسرائيلية.

سادساً: صياغة خطاب سياسي جديد

الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يكون ذا معنى إن بقي المواطن الفلسطيني غارقًا في الحصار والاحتلال والاستيطان. لذلك، لا بد من صياغة خطاب سياسي جديد مزدوج المسار: خطاب موجه للعالم بلغة القانون الدولي وحقوق الإنسان، وخطاب موجه لشعبنا بلغة الكرامة والأمل والتمكين. هذا الربط بين البعد الدولي والبعد الشعبي هو ما يمنح الدبلوماسية الفلسطينية عمقها وصدقيتها.

سابعاً: مواجهة الرد الإسرائيلي بحكمة

لا شك أن إسرائيل ستلجأ إلى خطوات انتقامية، قد تبدأ بإجراءات دبلوماسية رمزية مثل إغلاق القنصليات، وصولاً إلى سيناريوهات أكثر خطورة كالضم الجزئي أو الكامل. هنا يتعين على الدبلوماسية الفلسطينية أن تتحرك على مستويين: حشد المجتمع الدولي ضد أي إجراءات أحادية، وتقديم مبادرات سياسية تظهر الجانب الفلسطيني كقوة بناء لا كقوة تعطيل. إدارة هذه المواجهة تحتاج إلى مزيج من الصلابة والحكمة، لتفويت الفرصة على إسرائيل في جرّ العالم إلى مربع "لا شريك فلسطيني".

إن ما يجري اليوم ليس مجرد تحول عابر في مواقف بعض العواصم الغربية، بل إعادة تموضع استراتيجي يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية. لكنه في الوقت ذاته اختبار صعب: فإما أن تحسن الدبلوماسية الفلسطينية استثماره عبر خطط ذكية وشراكات فاعلة وتحركات قانونية محكمة، أو أن يضيع كما ضاعت فرص سابقة.

الاعترافات ليست نهاية الطريق، بل بدايته. وهي لحظة تاريخية لا تُقاس ببيانات التأييد، بل بما سينتج عنها من تغيير فعلي في حياة الناس ومستقبل الدولة. والتاريخ، كما نعلم، لا يرحم الشعوب التي تفشل في إدارة لحظاتها المفصلية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...