الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:30 PM
العصر 3:56 PM
المغرب 6:35 PM
العشاء 7:50 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

"النُتَف" والعقل الغارب!

الكاتب: بكر أبوبكر

مما لا يختلف عليه اثنان أن التفكير يلازم الانسان، وبه يُعرّف. لكن المقدار الذي يتم استخدام الدماغ لأجله، أي لاستخدام آلة التفكير هو المختلف عليه. فمن الناس من يستهلكها ويفعّلها بأمانة الاستخلاف، ومنهم من يستخدم مساحات منها، ومنهم من يستخدمها أحيانًا وحيث تسنت له الفرصة أو هكذا يظن.  
ولكن الأدهى والأمر هو في حالات ثلاثة لما يمكن أن نسميه العقل الغارب
الحالة الأولى حين يؤجر الشخص عقله للآخرين ويجعل منه أرضًا خِصبة لهم يزرعونه ما يشاؤون من نباتات غير مثمرة، أو منتجة للحشائش الضارة والشوكية المختلفة فتعمل عملها في العقل المُخرّب فيصبح عدوّ مجتمعه وثقافته وعدوّ نفسه.
 وفي التأجير للعقل راحة وإيما راحة! فعندما يؤجر الشخص عقله فهو غير مسؤول عن النتيجة، فالنتيجة ما بين الفكرة الأولية والناشئة أو النتيجة المستخلصة متروكة للآخر الذي تم إطلاق يديه في عقل الشخص المستباح بإرادته أو برضاه.
والثانية حين يفترض الشخص أنه معفي من التفكير كليًا فيبقي عقله مُغلقًا ومغلّفًا بأوراق الهدايا لا يمسّه أحد عوضًا عنه هو! وفي هذه الحالة يُطلق العنان لعواطفه وأحاسيسه الأولية فقط فتكون المسيّرة له وهي غالبًا تلك النابعة من العقل البدائي أو العقل الباطن الذي يتحكم به فيجعل من المشاعر والغرائز والحاجات الأولية جلّ اهتمامه وسعيه فلا يحيد عنها ولا يجد بُدًا من الافتراض أن عاطفته أو إحساسه لا يخيب! فمن لا يملك عقلًا مفكرًا ناقدًا تتحكم به الأحاسيس والنزوات كما الذي يزيح القيم والاخلاق جانبًا سواء بتعقل أو بدون سواء، على درب الضلالة والهوى والنزق.
والثالثة حالة عقل النُتَف وهي حين يتنقل العقل والتفكير بين مجموعات لا متناهية من السِلال والمحافظ والحوائط والمجموعات حيث التنقل والتصفح والتمرير اللاواعي بين آلاف المقاطع الكلامية أو الصوتية او المرئية على الشابكة في الجوال والحواسيب ويقضي بها ساعات طوال لا يدري أين تلقي به، فيصبح أسير تنقلاته (على وسائط التواصل المبعثرة) التي تعبث بعقله فتخاطب فيه غرائزه وحاجاته الأولية من جهة، وتجعل من "النُتَف" أو النتاتيف أو الأجزاء المبعثرة أو المقاطع القصيرة التي تنحشر في دماغه المكون الأول لما يفترض أنه فكره أو رأيه! بل وبها تكون المرجعية حيث مقياس الصواب والخطأ!
أردت الإشارة هنا وفي التكرار إصرار وليس فرار الى أن العقل الغارب (من الغروب) إما عقلٌ مؤجر وهذا ما تراه بوضوح بعملية التقليد (الضاربة أطنابها هذه الأيام) لهذا الشيخ المتزلف أو القائد (الجهبذ)! أوالمغنّي او الراقصة أومحب الكلاب العملاقة، أوالشاذ الأنيق، أو الممثل عديم الاخلاق والأجير، أوالسياسي الحقير أو "المؤثر=influencer" التافه، أو الكاتب المأجور، أو القناة المهيّجة للأوهام والمواقع المساندة.
والعقل الغارب غروبًا نهائيًا هو العقل المغلق الذي لو سقطت عليه المياه كالشلالات في محاولة لتنظيفه أو إزالة أوراق الهدايا الملفوف بها لا يمكن أن تجد من التأثير عليه الا بمعجزة قد تكون مرتبطة فقط بمصيبة عظمى أو مأساة حلّت به. ولكن العقل المغلق عامة هذا قد يجد في شرنقته أو قوقعته الأنيس والرفيق والسلوى والباذنجان الكبيس فيكتفي حريصًا على الاكتفاء، فلماذا الاطلالة على مساحات تبلبل وتجعله يفكّر ويضطرب!
وقلنا أن الثالث هو المنخرط انخراطًا كليًا في كل ما هبّ ودب وركب الإردبّ من صور ومرئيات وصوتيات ومقتطفات "نُتَف" مبعثرة بلا روابط ولا سمات تشكل مكنون عقله وجوهر تفكيره ومقياس الصواب والخطأ عنده مفترضًا أنه يمتلك المنهج وما لأي من الثلاثة منهج قط. 
إن عقلية الانغلاق أو التأجير أو النُتَف لا تحقق جهادًا أو حرثًا أونصرًا داخليًا، فما بالك وخارج الذات حيث تتراكم جبال الفشل والهزائم.
إن المنهج مسار وطريق يتم رسمه لحياة الشخص (أو الجماعة) ليسيرعليه مرتبطًا بوعي بالحقائق وفكر صلب ومقياس للصوابية والمراجعة، ومرجعية وازنه تشكلت من ثوابت وأفكار لدينا هي بالإسلام العظيم مرتبطة، وبطرق التفكير النقدية والابداعية المرحابَة والمتعلقة بحضارتنا العربية الاسلامية، بالاسهامات المسيحية المشرقية المنفتحة.
 أن المنهج لدينا هو مسار وطريق بعدة أبواب ودروب نابع من فكر حضاري منفتح يستوعب ويصب في الإناء ما لا يلطخ السِمة الحضارية الجامعة، ولا يلطخ الأساس الديني والحضاري والقِيَمي في ظل الرحابة والاعتراف بالآخر، والتقبل له على اختلافه وبالتعبير عن اختلافه بالتجاور معنا.
إن فكرنا الحضاري المشرقي المتميّز مختلف كليًا عن فكر الآخر الغربي (الاستخرابي العنصري الاستهلاكي المهيمن) خاصة بكثير من القيم والأخلاقيات وباللغة العربية والثقافة والسردية، وبتميزنا هذا وتمسكنا به أصاله لا تلغي الآخر، ولا ترفض التعامل معه بل خوض الصراع معه أو التعاون معه في مساحات فكرية أو مادية فيزيائية فيها من التلاقي ما يجب أخذه، مع الاحتفاظ لكلّ منا بحق الاختلاف الكثير وليس بعقلية الإخضاع والمحو والاستبداد والهيمنة.
لا يعني ما نذكره أن هذا العقل الغربي الاستخرابي، أو العقل الغارب هو هناك بالبعيد جغرافيًا، بل هو موجود هناك بالبعيد نعم، وموجود في أسّ مجتمعاتنا العربية والمشرقية والاسلامية وشخوص (وجماعات، وقادة) كُثر منبهرين ومنشدين ومأسورين لعقل الآخر، لا بل ويدافعون عنه لا بسياق الانفتاح والحوار، وإنما بسياق العقل الغارب بالتأجير أو التقليد أو النُتف الزاحفة عبر شركات التواصل الاجتماعي الغربية الاستهلاكية.
إن المنهج لدينا في العقل الصارم حين يكون فهمنا المنفتح لحضارتنا والقيم والمبادئ هي مقياس الصواب والخطأ وحيث الفيصل الأخير، وهي بالواجهة فيتم الاحتضان والهجوم والثورة والتقدم، والمنهج لدينا يصيب هدفه عندما لا يلقي بأفكار الآخرين جانبًا، وإنما ينفتح فيطلع عليها بعمق وتأنٍ وتمحيص وتفكر وقراءة عميقة وتمعن فيأخذ منها ضمن منطق الحكمة ضالة المؤمن فلا يُقصي ولا يبعد، وإنما يتمسك بمفاعيله الحضارية الأصيلة من جهة، ومن جهة أخرى قد يخوض حربه العادلة فيتفاعل وقد يغيّر أو يجدّد فيظل الطريق بدروبه واحد ويلتقط من مطلق الماء كثير فيوض رقراقة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...