حركة لا ملوك ترسم معالم التغيير العالمي وبشكل خاص في امريكا

الكاتب: د. محمد عودة
إن حركة لا ملوك هي حركة عالمية ولم تقتصر على أمريكا، بل أصبحت جزءاً من حراك عالمي متزامن. مجموعات في كندا، ألمانيا، اليابان، فرنسا والمكسيك تنظم مظاهرات مشابهة، تحمل نفس الرسائل والقيم، لتؤكد أن الدفاع عن الديمقراطية والمبادئ الشعبية أصبح قضية عالمية تتجاوز الحدود الوطنية، وأن رسالة "لا ملوك" تصل إلى كل مكان، متزامنة مع الاحتجاجات الأمريكية، وتكسب الحراك قوة رمزية إضافية على المستوى الدولي.
اليوم، السبت الثامن عشر من أكتوبر 2025، تستعد الولايات المتحدة ليوم استثنائي. ملايين الأمريكيين يخرجون إلى الشوارع في أكثر من 2700 موقع في جميع الولايات، حاملين شعار "لا ملوك" (No Kings)، مطالبين بالحد من السلطة التنفيذية واستعادة التوازن الديمقراطي، الشارع الأمريكي لم يعد مجرد مكان للتظاهر، بل أصبح ساحة اختبار حي للديمقراطية، واختبار لقدرة الشعب على الدفاع عن حقوقه ومبادئه، وسط مناورات سياسية ورمزية من السلطة نفسها.
في واشنطن العاصمة، تبدأ الاحتفالات الرسمية في الساعة 1العاشرة صباحاً في حديقة ناشيونال مول، مع رفع العلم الأمريكي وعروض عسكرية موسيقية، بينما يتجمع المحتجون في نفس الموقع حاملين لافتاتهم وشعاراتهم، مرددين هتافات تطالب بالحد من السلطة التنفيذية. وفي نيويورك، تبدأ الاحتفالات في الساعة الحادية عشر صباحاً في ساحة تايمز سكوير مع عروض موسيقية وعسكرية، وفي الوقت نفسه يبدأ المحتجون بالتجمع في نفس الساحة، مرددين شعاراتهم المطالبة بالديمقراطية. أما في شيكاغو، فتبدأ الاحتفالات الرسمية في الساعة الثانية عشر ظهراً في حديقة غرانت بارك، وتبدأ الاحتجاجات في نفس المكان. في هيوستن، تبدأ الاحتفالات في الساعة الواحدة ظهراً في ساحة هيرمان، بينما المحتجون يحتشدون في الساحة نفسها. وفي لوس أنجلوس، تبدأ الاحتفالات الرسمية في الساعة الرابعة عشر ظهراً في ساحة غراند بارك، مع حضور المتظاهرين حاملين لافتاتهم المطالبة بالعدالة والمساواة.
الحركة واضحة في رسالتها وأهدافها. أولاً، الحد من السلطة التنفيذية، حيث يرى المحتجون أن الرئيس تجاوز صلاحياته مرات عديدة، وأن هذا التجاوز يهدد التوازن بين السلطات الثلاث: التنفيذية، التشريعية، والقضائية. شعار "لا ملوك" يعكس رفض الشعب لفكرة الحكم الفردي المفرط، ويؤكد أن الديمقراطية ليست شعارات على الورق بل ممارسة حقيقية، تتطلب مشاركة الجميع. ثانياً، الدفاع عن المبادئ الدستورية والقيم الديمقراطية، حيث يصر المحتجون على أن لا أحد فوق القانون، وأن أي سلطة مفرطة يجب أن تواجه الرقابة والمساءلة. ثالثاً، رفع الوعي الشعبي، خصوصاً بين الشباب الذين يشكلون قلب الحركة، ويستفيدون من منصات التواصل الاجتماعي لنقل الرسائل، تنظيم الفعاليات، وتوثيق الأحداث بالصوت والصورة، ليصل الصوت لكل شارع وبيت.
ترامب، من جهته، لم يقف مكتوف اليدين. تقديم الاحتفال بيوم المارينز في نفس الولايات والمدن التي ستشهد الاحتجاجات هو مناورة واضحة: تشتيت الانتباه عن المحتجين، إظهار القوة والسيطرة، وخلق تحدٍ أمام المشاركين في التظاهرات. العروض العسكرية والموسيقى الرسمية وحضور الشخصيات العسكرية والسياسية كلها عناصر تهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن الدولة قوية، وأن السلطة التنفيذية لن تتأثر بالاحتجاجات.
التحدي كبير للطرفين. بالنسبة للمحتجين، عليهم الحفاظ على سلمية التظاهرات وسط هذه الفعاليات الرسمية الكبيرة، وتجنب أي صدامات مع السلطات، وإدارة الإعلام الرقمي بعناية لضمان وصول رسالتهم دون تعريضهم للخطر. بالنسبة للرئيس، استخدام الرموز الوطنية في مواجهة الاحتجاجات يحمل مخاطرة: قد يثير غضباً أكبر لدى بعض المواطنين ويزيد من حدة الاحتجاجات، لكنه قد يجذب بعض المؤيدين أيضاً ويعطي صورة للسيطرة والنظام، التزامن بين الاحتجاجات والاحتفالات يظهر صراعاً رمزياً،الديمقراطية ضد السلطة، الشعب ضد المهيمن، الحق في التعبير ضد القوة التنفيذية، وما يعزز ذلك هو أن هذه الاحتجاجات جزء من حراك عالمي متزامن، ما يزيد من الضغط الرمزي والسياسي على السلطة الأمريكية.
اليوم، الشوارع الأمريكية ليست مجرد طرق مرور، بل ميدان للصراع الرمزي بين الديمقراطية الشعبية والسلطة التنفيذية، بين الصوت الشعبي وصدى السلطة، حملة "لا ملوك" ليست مجرد احتجاج عابر، بل تجربة حية للديمقراطية الأمريكية، اختبار لقدرة الشعب على الدفاع عن حقوقه ومبادئه في مواجهة من يستخدم الرموز الوطنية لتقليل تأثيرهم.
ومهما كانت نتيجة هذا اليوم، سيبقى مسجلاً في تاريخ الحركات الاجتماعية الأمريكية كواحد من أهم اللحظات التي اختبر فيها المواطنون قدرتهم على الدفاع عن الديمقراطية، وتجسيد الصراع بين السلطة والشعب على أرض الواقع، بصوت الشعب، بحماس الشباب، وبحركة لا يمكن تجاهلها. وما يجعل هذا اليوم أكثر أهمية هو أن حركة "لا ملوك" أصبحت جزءاً من حراك عالمي متزامن، حيث تخرج مظاهرات في كندا، ألمانيا، اليابان، فرنسا والمكسيك بنفس الرسائل والقيم، لتؤكد أن الدفاع عن الديمقراطية والمبادئ الشعبية أصبح قضية عالمية، تتجاوز الحدود الوطنية،ملامح التغيير تبدوا اقرب من اي وقت مضى.