الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:35 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:25 PM
المغرب 4:53 PM
العشاء 6:09 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

"غيتا " انتداب جديد يكرس الاحتلال

الكاتب: د. محمد عودة

يقدّم المشروع الأمريكي حول ما يُسمّى “السلطة الانتقالية الدولية في غزة” نفسه كخطة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب، وكأن غزة باتت أرضًا يتيمة تبحث عمّن يديرها، لا شعبًا حياً له ذاكرة وحق وسيادة، خلف العناوين الإنسانية والحديث عن إعادة الإعمار وبناء المؤسسات، يقف مشروع سياسي خطير يسعى لتكريس واقع الاحتلال بثوبٍ جديد، ونزع الصفة الوطنية عن القطاع وتحويله إلى حقل تجارب لحكم الوصاية الدولية ،إنه مشروع يعيد تعريف غزة لا باعتبارها جزءًا من الوطن الفلسطيني المحتل، بل ككيان إداري منفصل تُعاد صياغته بأدوات المانحين، وتُعاد هندسة سكانه وفق مقاييس “الاستقرار” و”التنمية” التي ترسمها القوى الكبرى.

يتحدث المشروع عن مجلس إدارة دولي يُشرف على كل شيء، من الأمن إلى الإعمار إلى التشريع، ويضع على رأس المجلس شخصيات أجنبية وخبراء اقتصاديين ورجال أعمال، بينما يُمنح الفلسطينيون مقعداً رمزياً للتجميل لا أكثر، هكذا تُختزل إرادة الشعب إلى وظيفة شكلية، ويُلغى مبدأ السيادة الوطنية تحت لافتة “التفويض الأممي”، لم تعد غزة في هذه الصيغة جزء من كيان يقاوم بكل اشكال المقاومة، بل إقليماً يحتاج إلى وصيٍّ أجنبي يُديره إلى أن “ينضج” للحرية، وكأن التحرر لا يُنال بالحق بل يُمنح بالترخيص.

يبدو المشروع في جوهره محاولة لتدويل الاحتلال، لا لإنهائه، فهو يمنح إسرائيل موطئ قدم دائم في البنية الأمنية والسياسية للقطاع، من خلال ما يسمى “التنسيق الأمني الخارجي”، ليصبح الاحتلال شريكًا في إدارة ما دمّره، ومشرفًا على أمن الضحايا الذين قاوموه. فبدل أن يكون الاحتلال موضع إدانة ومساءلة، يصبح طرفًا شرعيًا في “نظام الاستقرار”، تُؤمّن له حدودٌ مطمئنة وواقعٌ منزوع السلاح والهوية، بهذا المعنى، يقدّم المشروع خدمة تاريخية لإسرائيل، يُخرجها من خانة الاحتلال إلى خانة الشريك في “الحل الدولي”.

الوجه الاقتصادي للمشروع لا يقل خطورة. فحين تُنشأ هيئة استثمار وتنمية تشرف عليها مؤسسات مالية دولية، ويُسلَّم ملف الإعمار للبنك الدولي، تتحول غزة إلى سوقٍ تجريبية لمشاريع المانحين، حيث المال المشروط يحكم القرار، والاقتصاد يصبح أداة تطويع سياسي. يُراد للناس أن ينشغلوا بمشاريع الإسكان والبنية التحتية بدل الأسئلة الكبرى حول الأرض والسيادة والعودة، وأن يُستبدل الحلم الوطني ببطاقة تموين ودفتر وظائف، إنها إعادة صياغة للعلاقة بين الإنسان والأرض: من مواطنٍ مقاومٍ إلى حالة انسانية مستفيدة وتابعة.

الأخطر من كل ما سلف أن المشروع يُفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها التحرري. فبدل أن تكون قضية احتلال واستعمار استيطاني، تُعاد صياغتها كـ “أزمة إنسانية” تحتاج إلى إدارة تقنية. هكذا تتحول المعاناة إلى مادة تمويل، وتُختزل السياسة في الحوكمة، والنضال في الإدارة. هذا التحول المفاهيمي ليس بريئاً؛ إنه إعادة إنتاج للرواية الغربية التي تريد للفلسطيني أن يتنازل عن كونه شعبٌ صاحب حق، ليصبح مجرد طرفٍ يحتاج إلى بناء قدرات ودعم.

هنا تتضح غاية المشروع، سلخ غزة عن بعدها الوطني، وإعادة إدماجها في منظومة إقليمية أمنية واقتصادية تضمن هدوء الحدود واستمرار السيطرة، فالمسألة ليست كيف تُدار غزة بعد العدوان والابادة، بل من يملك القرار فيها، ومن يُعيد تعريفها، هل تبقى جزءًا من الوطن الفلسطيني الموحد، أم تتحول إلى مختبر دولي لتجريب “نموذج جديد من الحكم” يخدم أمن الاحتلال ومصالح المانحين، في النهاية لا يمكن لمن سكت عن العدوان أن يصنع عدلاً، ولا لمن شارك في الحصار أن يقيم حرية، إن غزة التي صمدت تحت القصف لن تقبل أن تُدار كملف إنساني، ولا أن تُحوَّل إلى مشروع استثماري باسم السلام.

مطلوب من كل احرار العالم وخاصة أعضاء مجلس الامن الدولي تطوير الفكرة إن لم نقل نسفها من اجل ان تبقى غزة جزء من الوطن الفلسطيني والغزيين جزء أساس من الشعب الفلسطيني وان تبقى دولة فلسطين صاحبة الولاية على غزة اثناء وبعد هذه اللجنة.

 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...