نقطة ضوء: " فلسطين… جمهورية الطرشان " !
الكاتب: د. عدنان ملحم
▪مرضى ومسنّون يتجولون بين المراكز والعيادات الصحية الحكومية، يبحثون عن دواءٍ مفقودٍ منذ زمن. مشافٍ تعمل بنصف روحٍ وأدنى طاقة؛ طواقم قليلة، وأجهزة غير موجودة، وعمليات مؤجّلة، وكأن المرض والألم ينتظران مواعيد للحجز المسبق. في الردهات وجوهٌ شاحبة، وفي الممرات تنهيدةُ وطنٍ بلا دواء.
▪موظفون لا يملكون سوى العجز؛ لا مال في جيوبهم، ولا أمل في طريقهم. رواتب غائبة، وبيوت جائعة، وأسواق خالية كأنها مقابر صامتة. الفقر صار هويةً عامة، والعوز لغةً يومية.
▪حواجز احتلالية تقطع أوصال الطرق، وبواباتٌ حديديةٌ ملطخةٌ بالذلّ، ومستعمرون في كل موقعٍ يسرقون الأرض، ويحرقون المنازل والمركبات والممتلكات، ويقتلعون الأشجار، ويمنعون المزارع من الوصول إلى أرضه التي لا يملك سواها. وجيشُ تل أبيب يصول ويجول، ويسيطر على البلاد بالحديد والنار، غيرَ عابئٍ بالاتفاقيات والقوانين الدولية والثنائية.
▪العمال الذين بنوا مدن الداخل يعودون حفاةً إلى بيوتهم المرهقة، بعدما باعوا مقتنياتهم وذهب زوجاتهم ليشتروا لقمةً أو كرامةً ضائعة، ولا يجدون عملًا في وطنٍ يُغلق بابه أمام أهله.
▪المتقاعدون يصرخون ويعتصمون في الشوارع، يطالبون بحقوقهم، ويبحثون عن كرامةٍ في وطنهم العليل.
▪قطاع غزة يمضي بخطواتٍ محسوبة نحو عصر الانتداب الأمريكي–الإسرائيلي، ويُقسَّم جسده إلى قطعٍ شتّى؛ فصلٌ جديد من فصول السطو على مقدّرات الوطن، ووصايةٌ بثوبٍ عصريّ.
▪الحركة الوطنية الفلسطينية تترنّح وتلفظ أنفاسها الأخيرة؛ فصائلُ ورقية، وبياناتٌ خرساء، وشعاراتٌ باهتة تصلح لأزمنةٍ مضت. مجتمعٌ مدنيّ يتهاوى، وفعلٌ جماهيريٌّ جمعيّ ضاع في صحراء اللامبالاة.
▪مطبخ القرار مغلقٌ على قلّةٍ قليلةٍ ترى في نفسها صاحبةَ الرؤى الوطنية الفاعلة؛ لا مكانَ لأصحاب الخبرة والتجربة والعلم والتاريخ. إضعافٌ لدور منظمة التحرير الفلسطينية، وتيهٌ لبوصلة سلطتها الوطنية في مواجهة أشرس احتلالٍ إحلاليٍّ عقائديٍّ استيطانيٍّ صهيونيّ.
▪حكومةٌ عاجزةٌ تائهة، لا تملك القدرة على مواجهة الحالة التي تعصف بالبلد. وزراءُ تكنوقراط لا علاقة لهم بمعارك الحرية والقتال والنضال المشتعلة في جميع أنحاء الوطن المستباح.
▪رموزُ الفساد يمرحون ويسرحون، يحمون امتيازاتهم ومصالحهم وقصصهم؛ ينالون المكافآت، ويتلقّون التهاني والترقيات والمناصب. وهوامير المال في وطن الفقر يسيطرون على صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويضاعفون أرباحهم وممتلكاتهم، وكأن البلد ملكهم وحدهم.
▪حركةُ هجرةٍ صامتة؛ شبابٌ وعائلاتٌ يغادرون بلادهم، تاركين وراءهم وطنًا يضيق بأبنائه ومناضليه وناسه الطيبين.
▪فلسطين جمهوريةُ الطرشان؛ جميعُنا يرى ويسمع ويعرف الخطر المحدق بفلسطين وشعبها وأرضها ومشروعها الوطني: ضمٌّ وتهويدٌ وتهجير، ينجزها الاحتلال بشكلٍ منظّمٍ وعلنيٍّ دون خوفٍ من أحد. وفي الوقت ذاته، انقسامٌ قاتل، وفشلٌ في الاتفاق على مبادئ وثوابت مشتركة.
▪الناس تسأل الآن: إلى أين نذهب؟ ماذا نعمل؟ ماذا نفعل؟ من يحمينا؟ من يدافع عنّا؟ من يوفّر لقمة العيش لنا؟ وكيف سيعرف العالم ضخامة المآسي التي يُحدثها المحتل في العمق الفلسطيني ما دام الصمت واللامبالاة يلفان أركان البلد؟ لا أجوبةَ مقنعة، ولا خطوطَ تواصلٍ واتصالٍ بين مكونات فلسطين : أرضًا وناسًا وجماهيرَ وقوىً مختلفة.
▪لا بدّ من يقظةٍ وطنيةٍ حقيقية. حان الوقت لبناء حكومةٍ، أو جبهةٍ، أو مجلسٍ، أو فريقِ إنقاذٍ وطنيٍّ يجمع تحت كنفه كلَّ المخلصين والساسة والعلماء من مختلف التخصّصات والمشارب، ممن يحملون العلم والخبرة والتجربة والضمير؛ ليعيدوا الثقة إلى قلوب الناس، والأمل إلى دواخلهم، ويكونوا مصدرًا من مصادر صناعة القرارات المصيرية. حان الوقت!

