قرارٌ بالغ الأهمية... ومسارٌ بالغ التعقيد
الكاتب: نبيل عمرو
العالم كله تشارك في إصدار قرارٍ عن مجلس الأمن، يختلف من حيث نصه وفرص تطبيقه ومؤيدوه عن قراراتٍ عديدةٍ صدرت عن المجلس أو الجمعية العامة ولم تُنفّذ.
روسيا والصين لم تصوّتا وهما الدولتان الصديقتان تاريخياً ودائماً للشعب الفلسطيني، واللتان تقدمتا على أمريكا في الاعتراف بمنظمة التحرير.
الصين اعترفت منذ الأيام الأولى لولادة المنظمة، وروسيا اعترفت وتعاملت بعد فترة وجيزةٍ، بجهدٍ من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هاتان الدولتان امتنعتا عن التصويت بعد أن قدمتا مشروع قرارٍ أكثر وضوحاً وتحديداً لصالح الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته، وقد فعلتا ذلك من قبيل جهدٍ لتحسين النص الأمريكي، وقد نجحتا في ذلك، بعد حوارهما مع العرب وسائر أعضاء مجلس الامن، وكانت الحصيلة صدور القرار وفيه الكثير والهام لمصلحة الشعب الفلسطيني.
من جهة أخرى أتحدث عن أهمية القرار:
أولاً: تأييد وتبني الغالبية العظمى من دول العالم بما في ذلك الدول العربية والإسلامية والأوروبية، لقرارٍ يحول دون استئناف حرب الإبادة على غزة، ويقر بفتح مسارٍ سياسي يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية.
ثانياً: إن الذي قدّم مشروع القرار هي الولايات المتحدة التي دأبت على استخدام الفيتو ضد أي قرارٍ فيه ولو إشارة غير مباشرة لبعض حقوق الشعب الفلسطيني، ومع الحرج الذي ينتابنا كلما فكّرنا في اعتبار أمريكا تقدّم مواقف إيجابيةٍ لمصلحتنا بحكم تاريخها معنا، إلا أن الحقيقة تقول.. إن القرار بظروفه والمتغيرات التي فرضته يعتبر الأفضل من كل القرارات التي اتخذها مجلس الأمن بالنسبة للشأن الفلسطيني.
ثالثا: بالنظر لحالة غزة والتربص الإسرائيلي بها والتوعد باستئناف حرب الإبادة عليها، فإن كل ما يعيق ذلك ينبغي أن ننظر إليه بإيجابية ما دام يحقق هذا الهدف، ويعد بما هو أبعد من ذلك لمصلحتنا.
بالتقويم الموضوعي للقرار فما تقدّم يكفي كما أعتقد للتعرف على المغزى الإيجابي والهام له، غير أن ذلك لا يعني أن الطريق أصبحت ممهدةً تماماً نحو قيام الدولة الفلسطينية فعلاً، ورغم أن إسرائيل ومن قبيل نفاق ترمب أيدت القرار على لسان مندوبها في الأمم المتحدة، إلا أنها لن تدّخر جهداً لإعاقة تنفيذ المسار المنشود لقيام الدولة، ومع ذلك لن تتخلى عن جهودها لإيجاد الذرائع التي تتغطى بها لاستئناف حرب الإبادة على غزة، وهذا ليس استنتاجاً بل هو ما تعلنه جهاراً نهاراً وتمارسه وإن بوتيرةٍ أقل هذه الأيام.
إضافةً إلى الحرب التي تفتحها مختبئةً وراء فتيان التلال الذين يعيثون تخريباً وحرقاً وإرهاباً في كل مكانٍ على أرض الضفة وأهلها، ومن قبيل تصدير موقفٍ كلامي، لتفادي الإدانة تدعي أنها فقدت السيطرة على المستوطنين وأنها ستبذل جهوداً لمنعهم من مواصلة جرائمهم.
مطلوبٌ منا ومن العالم أن نتحلى بقدرٍ كبيرٍ من السذاجة كي نصدق أن إسرائيل التي ترسل كتيبة من جيشها لمقاتلة شابٍ فلسطيني يحمل سكين مطبخ تعجز عن إنهاء ظاهرة إنهاء التلال، حتى نتنياهو دخل اللعبة بالقول سوف أعمل على وقف فتيان التلال ولكن سوف أضاعف من الاستيطان وحماية الجيش له.
فيما يتصل بقرار مجلس الأمن فإن رصيداً ثميناً وضع بين يدي الفلسطينيين، من خلال هذا القرار الأمريكي الدولي، ومن خلال موقفي الدولتين العظميين روسيا والصين، اللتين تطالبان بأكثر مما طالبت به أمريكا، وهذا الرصيد لا يحمى من تلقاء ذاته بل يظل بحاجةٍ إلى جهدٍ فلسطينيٍ وعربيٍ وإقليميٍ ودولي، لتطويره ونقله من النص إلى الواقع.
لقد انفتح بابٌ جديد أمام الشعب الفلسطيني... وعلى أداءه لمهام ما بعد القرار يتوقف ما إذا سيكون مؤهلاً للتطبيق أم يذهب كغيره من قراراتٍ سابقةٍ إلى الأرشيف، وأرجح أن فرصة تطبيقه بما يفضي إلى دولة أعلى بكثيرٍ من كل الفرص السابقة.

