الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:51 AM
الظهر 11:26 AM
العصر 2:17 PM
المغرب 4:41 PM
العشاء 6:01 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الشبيبة الفتحاوية… حين يستعيد الجيل بوصلته ويستعيد الوطنُ طاقته

الكاتب: د. ياسر أبو بكر

ليس كل الأجيال تُختبر في اللحظات العادية. بعض الأجيال تُلقى في قلب العاصفة، ويُطلب منها أن تُعيد ترتيب وعي الوطن، وأن تصوغ مستقبلًا لم يعد يحتمل التأجيل. وجيل الشبيبة الفتحاوية اليوم، بكل ما يحمله من أسئلة وآمال وأوجاع، يقف أمام لحظة من هذا النوع؛ لحظة تتجاوز حدود التنظيم، وتتجاوز الجامعة، وتتجاوز حتى السياسة بمعناها الضيق.

أكتب هذا المقال لا كمتابع من بعيد، بل كمن عاش التجربة، وقاد الشبيبة في جامعة النجاح، وعرف قربًا معنى أن تكون في هذا الإطار: مسؤولية لا تُحتمل أحيانًا، وشرف لا يُقابله شرف آخر. في الشبيبة تعلّمنا أن المبادرة ليست خيارًا، بل قدر. وأن العطاء ليس واجبًا تنظيميًا، بل مسارًا تُصاغ به الشخصية الوطنية للإنسان الفلسطيني.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تبدو الشبيبة أمام واجب إعادة تعريف ذاتها.
فقد تعرّض الوعي الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة لمحاولات تفكيك وتحييد، عبر الإعلام، والضغط الاقتصادي، وتراجع الثقة السياسية، وتحوّل الجامعة من ساحة فعلٍ وطني إلى مساحة منهكة بالهموم الفردية والنزاعات الصغيرة. ومع ذلك، بقيت الشبيبة في معظم المواقع قادرة على الحفاظ على جذوة الوعي، وعلى حماية الحد الأدنى من الحضور الوطني داخل المؤسسات التعليمية.

من يعرف الشبيبة من الداخل-كما عرفتها شخصيًا-يعرف أنها ليست مجرد ذراع شبابية لحركة فتح، بل هي معملٌ حقيقي لإنتاج القادة.
هي المكان الذي يتدرّب فيه الطالب على المسؤولية والقرار، وعلى جديد الوعي الوطني، وعلى ترجمة الأفكار إلى فعل.
هي الحدّ الفاصل بين “تنظيمٍ له جمهور” و“حركةٍ لها مستقبل”.

اليوم، المطلوب من الشبيبة أن تعود إلى جذورها الأولى:
إلى فكرة أن الطالب ليس جزءًا من جمهور الهتاف، بل من صُنّاع القرار.
إلى فكرة أن الوعي هو خط الدفاع الأول قبل الحجر والاشتباك.
وأن الجامعة ليست مكانًا للعبور، بل محطة تأسيس لتصوّر الإنسان الفلسطيني لدوره في التحرر والبناء.

الجيل الجديد ليس ضعيفًا كما يصوّره البعض؛ هو فقط يبحث عن نموذج يُصدّقه.
يبحث عن خطاب لا يُعامل الشباب كـ “احتياط”، بل كقوة مركزية في المشروع الوطني.
يبحث عن شبيبة تُشبه فتح في لحظات صعودها: واثقة، منفتحة، صادقة، وقادرة على حمل التناقضات دون أن تتفكك.

إن انعقاد المؤتمر العام للشبيبة، في هذه اللحظة بالذات، هو فرصة لإعادة ترتيب البيت من الداخل.
ليس بالخطابات ولا بالبهرجة، بل بإعادة بناء منظومة عمل واضحة:
منهج فكري، هوية نقابية، قواعد تنظيمية عادلة، تدريب ممنهج، رؤية طلابية تعالج ما يعيشه الطالب الفلسطيني يوميًا: الرسوم، السكن، النقل، الجودة الأكاديمية، والكرامة داخل الجامعة.

لا يمكن للشبيبة أن تكتفي بكونها صيغة انتخابية؛ هذا دور ناقص ومحدود.
دورها الحقيقي هو حماية الوعي، وصناعة المبادرة، وإعداد الكادر الذي سيملأ الفراغات التي خلفتها الأزمات السياسية والاجتماعية المتلاحقة. دورها أن تكون جسرًا بين الجامعة والمجتمع، وبين الفكرة الوطنية ووجدان الجيل.

وكابنٍ لهذه التجربة، أقول بثقة كاملة:
حين تنهض الشبيبة، ينهض جزء كبير من المشروع الوطني معها.
وحين تتراجع، يترك ذلك فراغًا لا يملأه أحد.

ولذلك، فإن المرحلة المقبلة تتطلب جرأة مختلفة…
جرأة في التفكير، في التجديد، في خلق آليات جديدة للحضور، في تفعيل دور الفتيات، في بناء خطاب عصري يُحاكي الواقع بدل أن يهرب منه.
جرأة في أن تقول الشبيبة للحركة ذاتها: نحن شركاء، لسنا ظلًا.
وفي أن تقول للمجتمع: الجامعات ليست جزرًا معزولة، بل قلب الوعي الفلسطيني.
وفي أن تقول للاحتلال: إن جيلاً جديدًا من الوعي يولد كل يوم، مهما اشتدت النار.

إنني، وأنا أراقب استعدادات الشبيبة لمؤتمرها العام، أرى في أعين هذا الجيل تلك الشرارة التي اكتشفتها قبل سنوات بين جدران الجامعة: شرارة لا تُعلّم، بل تُكتشف،، شرارة المبادرة. شرارة العطاء. شرارة أن يكون الشاب الفلسطيني أكبر من واقعه، وأقوى من ظرفه، وأعمق من حدود يومه.

هذه اللحظة لحظتهم ،،
وهذا المستقبل لن يُكتب إلا بأيديهم.
فإن نهضوا، نهض الوطن معهم.
وإن بادروا، تغيّر المشهد كله.
وإن أعطوا كما أعطى الجيل الذي سبقهم… فلن يستطيع أحد أن يوقف مسار فلسطين نحو غدٍ تستحقه.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...